الحلقة الثالثة والرابعة: من رواية شارع ايدون اضاءات من الذاكرة/ للدكتور محمد حيدر محيلان

كنانة نيوز –
من رواية : شارع ايدون اضاءات من الذاكرة..
من 1975- 1987
بقلم : الدكتور محمد حيدر محيلان
الحلقة الثالثة
رن جرس الفرصة معلناً انتهاء الحصة الثالثة وانطلقنا للساحة نتراكض وانا احمل البضاعة (باكيت علكة ) وعلى الدرج الهابط من الطابق الثاني بفعل المزاحمة والتدافع انكفأتُ مع الباكيت،، وانتثرت العلكات على مرمى واسع من الدرج،، وعندما لممت ما تبقى منها احسست بان العدد اقل مما كان قبل الحادثة،، ولكن في معمعة التزاحم وكثرة العدد، تفرق الجرم الانتقاص مت حبات العلكة ، بين الطلاب وما عرفت من احتفظ لنفسه بحبات العلكة المتناثرة.. !! ؟؟ بعض الطلاب اعاد لي حبات وساعدني بترتيبها في الباكيت… وفي الساحة الخارجية المدرسة اقتسمت الحصة السوقية مع بائع الساندويتشات وبائع العصير وبائع خبز مسمسم مع زعتر .. وبعت ثلثي الباكيت .. وكانت حصتي السوقية مرضية.. فجلست افكر بطريقة أسَوِقُ بها بضاعتي …
ولحسن حظي ان غلاف كل حبة علكة (كان مرفق بطبعة شفافة عليها رسمة حيوان او نبات) يتم ترطيبها برذاذ ماء او لعاب وتلصق على اليد فتطبع الصورة … فقمت بطباعة صورة افعى على يدي وعرضتها على الطلاب من باب التسويق ،، فانهال علي الطلاب بشراء العلكة ليس حباً بالعلك ،، ولكن (للطبعة المرفقة) وبدأ الطلاب بطباعة الصور .. افاعي وطيور وشجر واسود وكلاب على ايديهم ووجوههم … وانتشرت فكرتي التسويقية لبقية طلاب المدرسة .. وانا اصيح :
لحق يا ولد لحق العلكة بالطبعة…هون… عند عمك ابو محيلان….
وبعت الباكيت كله وجمعت مبلغا من القروش امتلأت جيوبي بها، ونعمت بفرح الربح والتجارة، .. وقررت ان احضر معي غدا باكيتن من علكة الطبعة الرائعة….
انتهت الفرصة ودق الجرس وانتظم الطلاب في صفوف متسلسلة في الساحة يتأهبون للدخول لصفوفهم .. نظر الاستاذ المناوب والذي يقف امام الطلاب فرأى امامه وجوه ملونة،، كانها فرقة كوماندوز،، تضع على وجوهها تمويه افاعي وكلاب ونمور واسود… تلون وجوه الطلاب … تقريبا ثلثي طلاب المدرسة او. قل من كانوا في مقدمة الصفوف …
– المعلم المناوب صاح بالطلاب ما هذا !!!؟؟؟
– من فعل هذا بوجوهكم !!؟
– الطلاب بصوت واحد : محيلان يا استاذ …
– طيب الجميع ينتظر في الساحة …
– محيلان تعال معي على الادارة….
– أنا عدت امشي متثاقلاً درجة حرارتي ارتفعت.. ضغطي خف …احسست بغثيان خفيف مع دوخة خليط من المشاعر المتداخلة ببعضها خوف حزن الم ندم .. … دعوت عندها …يارب الطف
الحلقة الرابعة
دخلت الى الادارة … امشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل … المدير وحوله المعلمين لا اذكر اسم المدير، أذكر كنيته فقط أبو عمر. هو استلم بعد المرحوم شاهر الحمود. ومن المعلمين: ، زيد رفاعي الحمود، عادل الصمادي معلم الثقافة الاسلامية ، أحمد أبو كف معلم اللغة العربية وكان خطاط واذكر انه فتح محل خطاط بعد التقاعد ، معلم اخر من بني هاني نسيت اسمه كان معلم اللغة الانجليزية والاستاذ عواد يدرس العلوم والحساب، واذكر مدير مدرسة الحسن بن الهيثم الفترة الثانية كان غالب الصمادي ، ولا اعرف هل احمد موسى الخصاونة قبله ام بعده …. يرحم الله الاموات ويمتع الاحياء بالعافية… كلهم كانوا رائعين ومبدعين…
امام غرفة الادارة…
-المعلم المناوب مخاطبا المدير : استاذ ابو عمر هذا الطالب ببيع علكة بطبعة، والطلاب اشتروا منه وطبعوا على وجوههم صور حيوانات .. وتفضل شوف مناظر الطلاب في الساحة…
عاد المدير منفعلا وانا ما زلت ماثلاً مستمرا امام المعلمين انتظر الحكم….
– المدير : شو اسمك يا ولد
– محمد.. انا محمد.. استاذ
– انت عارف شو عملت بالمدرسة وبالطلاب !!؟
– نعم استاذ ..
– شو عملت !!؟
– بعتهم علكة استاذ
– لا انت شوهت وجوه الطلاب وعملت فوضى وارباك
– نادى احد الطلاب الاكثر تشويها (افعى على انفه وكلب على خده اليمين وحمار على خده اليسار وعلى صلعته بِسَسْ )…
– يا محمد شايف زميلك ،.. هذا منظر طالب !؟؟
– المعلمون المتواجدون انهاروا منذ الضحك !! وتواروا خلف بعض يكتمون ضحكاتهم…
– المدير كتم ضحكته وضبط اعصابه وقال متماسكاً :
– غدا احضر اباك للمدرسة وانصرف الان للصف… اما انتم فاذهبوا واغسلوا وجوهكم وانصرفوا لمقاعدكم .
عدت لصفي معنوياتي بالحضيض ،،، فقدت الفرح المرافق لربحي المشؤوم وتهاويت على المقعد .. غير آبهٍ بحضور أبي للمدرسة حيث انه يعلم بتجارتي .. وهو الممول لتجارتي حيث آخذ انا البضاعة من محل والدي الكائن في شارع ايدون مقابل سينما الجميل … ولكن ما احزنني خسارة السوق وخروجي منه بطريقة اضرت بسمعتي وربحيتي..
كان من عادة ابي يرحمه الله ان يُلْحقنا في المحل عندما يشتد عودنا وغالبا من الصف السادس فنبقى بقربه وتحت عينه فنتعلم فنون التجارة والبيع والشراء ونجالس كبار وجوه البلد الذين كانوا يترددون على والدي في متجره فنسمع فكرا وثقافة واقتصاد وسياسة حيث كانت هذه الشخصيات البارزة هي شيوخ ووجهاء وكبار منطقة الشمال وليس اربد كمدينة وحسب .. فكان يؤم مجلس والدي ، واسميه مجلساً لانه كان فعلا مجلس ادب وفكر وثقافة وسياسة يغلب على كونه متجرا للبيع والشراء حيث كان والدي يغلقه ويذهب لاجتماع عشائري او مؤتمر وطني او اصلاح ذات البين.. فكان يؤمه باشاوات ووزراء وشيوخ عشائر امثال نجيب باشا الشريدة وزير سابق ومحمود باشا الخالد الغرابية رئيس بلدية اربد الاسبق وموظف كبير في الحكومة وعبد الله الكليب الشريدة شيخ منطقة الكورة وعيسى خليل الجوينات شيخ جبل عجلون والشيخ محمد السمرين خريس ورفاعي بك الحمود الخصاونة والشيخ علي الزيناتي والشيخ حمزة الشريدة ابو سلطان والشيخ محمود البشير ، نعيم عبدالقادر التل(ابوصقر) ، عواد السعد العمري(ابوماجد) ، رشيد بك ابوسالم(ابومروان) ، محمد عبدالرحمن خريس(ابوقاسم) ، محمد البشير الغزاوي(ابوعدنان) ، عارف الزيناتي (ابونمر) ، خالد القسيم الزعبي(ابوغازي)…وغيرهم كثير ساعود واسرد اسماءهم في حينها .. نعم كان مجلساً او نادياً او ملتقى فكري اكثر مما هو متجرا .. وكنا أنا واخوتي نحضر هذه الاجتماعات التي كانت تصدر عن قرارات واراء تصب في خدمة الوطن ومنطقة الشمال…
فكرت بطلب المدير مني ان احضر ابي … وترددت ان اقول لابي ان مدير المدرسة يطلبك … ليس خوفاً فأبي يعرف انني (ابيع العلكة) في المدرسة،، ولكن سيكلفه ذلك اغلاق المحل والذهاب معي، لامر اجده لا يستحق عناء ابي وتنكبه وعثاء الطريق ، الموقف ..
فوقفت اقدر الموقف وابحث عن حيلة اتجنب الموقف وتجنيب والدي عناء الذهاب واغلاق المحل ….
يتبع الحلقة الخامسة