الكل للصحفيين والبعض للنائب / بقلم خالد القضاة

الكل للصحفيين والبعض للنائب
بقلم : خالد القضاة
أثار توصيف النائب وائل رزوق لواقع الإعلام الأردني في مجلس النواب جدلا واسعا وتباينا بين الرفض الكامل والمطالبة بالاعتذار والكشف عن الحقائق التي بنى عليها اتهاماته مرورا بالقبول الجزئي لما أورده وصولا بالقبول به شريطة إعادة تعريف المصطلحات وصياغة الخطاب بما يتناسب والدور المنوط بمجلس النواب.
ولكن القبول أو الرفض يجب أن لا يكون مشروطا، فما جاء به النائب هو مكتوب ومعد مسبقا، فقد طلب الإذن بالتحدث وأعطي الوقت لإعداده ليرد فيها على خطاب الثقة، ولم تأت تصريحاته بالصدفة وعابرة في مداخلة لموضوع طرح في النقاش أثناء الجلسات، فما تحدث به النائب كان عن إصرار مسبق، وهو يتحمل المسؤولية الكاملة عما ورد فيه أكانت سياسية أم أخلاقية أم قانونية.
فالدستور الذي أعطى الحق للنائب ومنحه ملء الحرية في المادة 87 في التكلم وإبداء الرأي ومنع مؤاخذته بسبب أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه في جلسات المجلس، كان يهدف فيها المشرع الارتقاء بدور النواب إلى مستوى دورهم الدستوري، لا أن ينحدر النواب إلى مستوى مخالفة النظام الداخلي الذي ورد بطلب دستوري حيث منع النائب وعلى صيغة الإطلاق في المادتين 108 و109 من استعمال ألفاظ نابية أو عبارات غير لائقة أو فيها مساس بكرامة الأشخاص أو الهيئات أو التحقير لشخص أو هيئة ما لم تكن أقواله مؤيدة بحكم قضائي قطعي.
فقد وردت الكثير من التهم في حديث النائب مثل “الأقلام المدفوعة مسبقا”، و”الأفكار المسمومة”، و”بث الإشاعات المضللة”، و”القنوات التلفزيونية المأجورة”، و”رواتب شهرية”، وتم إلصاقها بالجسم الصحفي، فأصبح الزاما على كل صحفي أن ينفي عن نفسه الاتهام وأنه ليس ممن قصدهم النائب في كلامه وفي ذلك إجحاف بحق سلطة وضعها النائب بكامل منتسبيها في دائرة الاتهام.
وحتى لو استعان بكلمة “بعض” فهذا لا يعفيه من المسؤولية فقد جاءت كلمة “بعض” متأخرة بعد ان صور الإعلام في مقدمته أنه أصفر مضلّل كاذب ثم استدرك قائلا بعض الإعلاميين، ولكن الضرر حدث والصورة الذهنية تشكلت، فالاتهامات لا تقبل القسمة أو التشارك على سبيل الافتراض، فهي فعل توافرت فيه عناصر التجريم وعلى رأسها القصدية بارتكاب الفعل.
وبالتدقيق بالنتيجة التى وصل النائب أليها ووصف فيها تأثير هذا “البعض” على المشهد الأردني عندما قال “والله أفقدوا الشعب ما تبقى لديهم من انتماء لثرى هذا الوطن وبث الروح الانهزامية وروح الإحباط والتي تجعل من المشاهد وكأنه يعيش في شريعة الغاب”، فان هذه النتيجة الكارثية التي وصل أليها سعادة النائب لا يمكن ان تكون نتيجة لفعل “البعض”، بل تدل على عمل ممنهج متهم به العمود الفقري للاعلام الاردني ومؤسساته ورجالاته منذ عقود.
فالروح الانهزامية لا تتولد من مقال أو مادة صحفية، وفقدان الانتماء إلى هذا البلد لا تأتي من مناظرة تلفزيونية، بل هي نتيجة حتمية لعمل مخطط ومدروس له أدواته وخططه بعيدة المدى تشارك فيه كل المؤسسات الإعلامية للوصول بالشارع الأردني إلى شريعة الغاب، وهذه اتهامات خطيرة للإعلام الأردني الذي كان حاضرا ومدافعا عن ثوابت الدولة ورسالتها، له رجالات خاضوا معارك للوصول بنائب محصن يتكلم بكل حرية ويتطلع إمامه، لا بين قدميه، تحت القبة، وفرض رجالاته عودة للحياة النيابية وثبتوا تعديلات دستورية حصنت مجلس النواب من العبث في الوقت الذي كان فيه سعادة النائب لم يتعلم القراءة والكتابة بعد.
الإعلام آو أي من مؤسساته، كأي قطاع قد يمرض ولكنه لا يموت، قد يصاب بورم لكن جسده صلب، سرعان ما ينتفض ويستعيد مكانته، وكنا نتوقع من سعادة النائب البحث عن أسباب المرض ويشخصه لا أن يوظف الأمراض وأعراضها وفقا لتجاربه آو نصرة لمعاركه الشخصية، كنا نتمنى عليه أن يطلع ولو سريعا على الدستور ليرى عظمة المسؤوليات الملقاة على عاتقه التي تسعى لخلق رجال دولة يذهبون بالمشاكل إلى جذورها ويقومون بواجبهم بمراجعة حقيقية للتشريعات التي تسببت بتلك المشكلات ونالت من كل القطاعات، والإعلام ومؤسساته ومنظومته التشريعية لم تكن بمنأى عن عبث السلطتين التشريعية والتنفيذية بمدخلاته ومخرجاته.
نحن الكل والكل لنا وملزمون بالدفاع عنه، وأنت ستبقى من “بغض” و”البعض” لك، فنحن اخترنا البناء، أما آنت فالخيار لك.