“ويفيقني عليك” / أحمد حسن الزعبي

“ويفيقني عليك”

أحمد حسن الزعبي

أنا لا أقرأ الشهور من “روزنامة”الحائط..أنا أشتمّ رائحتها فأسمّها..قد أشتم كانون في آب ، وأشتم نيسان في تشرين ، وأشتم أيلول في كل وقت، لا تعنيني كثيراً حسابات الفلك ودوران الشمس ، لا يعنيني تولّد القمر على يد “قابلة” الكواكب ،أنا الفلك وقلبي مجرتي الحسية…
منذ بداية أيلول لم يحضر أيلول ، كان “كميناً
وقتياً لكل العاشقين..تماماً كأن تُعطى موعداً ولا يحضر الحبيب ، أو تُدعى إلى فنجان قهوة وتشربها وحيداً…غسلت نافذتي عشر مرات كي أرى وجهه ،كي ينقشع غباش الصيف ودبق الشوب ، كي أرى سنونو الشهر يرسم الفواصل بصوته على شال الغروب ،كي أسمع راعياً يصفّر لقطيعة الراكض خلف حلوى الشمس البرتقالية ، كي أسمع زفيراًً شهياً من شبّاك مكسور ، كي أشاهد حمام الحي يطوف في المساء طوفة الوداع لذلك النهار..كي أشتم رائحة “الديزل” العالق بالتراكتورات العائدة من السهول ، أو خشخشة أوراق “الاسكدنيا” وهي تسقط كأجراس يابسة فوق الحصى، لم انجح لذا لم أكتب ..بالأمس شممت رائحة أيلول كلها ، شاهدت شجرة الكينيا القريبة وهي تكنس السماء من غبار القيظ ، شاهدت وسمعت الأشياء كلها؛ السنونو والقطيع وورق الاسكدنيا والتراكتور والشباك المكسور..بالأمس ابتدأ أيلول حسب توقيت قلبي..
كان صيفاً ثقيلاً ،مثل كيس ملح على ظهر عبد، كان صيفاً عاتباً بكل معنى الكلمة ،جعلنا نتصبب عرقاً أمامه..جفّت شفاه الجوريّ دون أن ينبس ببنت وردة..وأعلن بئر الماء إفلاسه من أول جولة وأحسست أن هذا القمع الفصلي لن ينتهي أبدا ..الى أن اهتزت الليمونة وانتصرت أوراقها الرقيقة على هراوة الشمس.

في أيلول سطّرتُ معرش العنب بأسلاك معدنية، قسّمت السماء سطوراً لعيون الدالية، رفعت حرفها وقلت لها خربشي أنّى شئت ارسمي لوحتك بالورق والحمام البريّ ودعي عروقك تنبض حياة وأيلول..
أيلول “منبّه” العمر الذي يرنّ فوق أسرّة الذكريات ، أيلول حكيم الشهور وشيخ الفصول يجمع عشيرة الوقت تحت عباءته ،يرسم ابتسامة فوق حناء لحيته الأصفر ويهمس لمدى عمري الطويل..كل ما فيك “بيفيقني عليك”..

أحمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com