صناعة الفوضى / سهير جرادات

صناعة الفوضى
سهير جرادات

منذ عام 2011 ونحن نعيش في الأردن حالة فوضى؛ بعد أن تم تصديرها إلى المنطقة العربية من قبل المعسكرين الغربي والشرقي اللذين صنعاها خصيصا لنا ، وتركا ادارتها وقيادتها والسيطرة عليها بايديهما .

من المؤكد أن وراء أي فوضى،مجموعة من المستفيدين ، فالفوضى تنتجها قوة قادرة على التحكم بها، بهدف فرض سيطرتها على ثروات الدول الضعيفة ومقدراتها ، والتي تتخلى عن استقرارها بعد أن تستسلم للفوضى التي فرضت عليها.

من ينكر أننا أصبحنا نعيش في حالة فوضى منذ أن تُرك الحبل على الغارب ، بعد أن وصلت عدواها الينا ، وسُمح للمواطن بالخروج إلى الشارع معترضا ومطالبا بالإصلاح كما حدث في دول مجاورة ، وأبيح للموظفين ترك مكاتبهم والخروج إلى الشارع معتصمين ومحتجين على امتيازاتهم ورواتبهم الوظيفية ، إلى جانب التساهل مع المواطن وهو يخالف قوانين السير ويتغول عليها ، وتُرك بلا عقاب ، ووصلت الفوضى إلى الأمن الذي نعت بالناعم، حتى استخف به الناس .

وكان أول مؤشرات الفوضى ذلك الذي أصاب الاعلام ، وبالذات ما تعرض له الاعلام الرسمي والتقليدي من تقزيم واستهتار بدوره ، وبالمقابل كان الاعلام الالكتروني ينهض ويدوي صوته ، ليجد المواطن في مواقع التواصل الاجتماعي غايته ، رغم اعتماد بعضها على الاثارة واغتيال الشخصية ، وانتهاك الخصوصية وحرمات الآخرين ، والتجريح بهم ، وابتزازهم بنشر الاسرار والفضائح ، وغياب المصدر والمصداقية عن الاخبار المتداولة فيها.

ووصلت الامور إلى حد فقدَ فيه الاعلام أهم مقوماته، بتغييبه وابتعاده عن قضايا الرأي العام ، المتمثلة بتجاهل المسؤولين لمواطن الخلل التي يمكن تصويبها ، أو حتى الالتفات إلى قضايا الفساد ، وبذلك لم يعد الاعلام يخدم الوطن ولا المواطن على حد سواء.

من المتعارف عليه أن الفوضى كلمة معاكسة للتنظيم والترتيب ، وعدم التمتع بحس النظام ، حتى إذا أصبحت واقعا من الصعوبة التغلب على المشكلات التي تحدث على اثرها ، فكانت نتائجها الواضحة في استخدام الواسطة والمحسوبية في التعيينات، وفوضى الترهل ، وفوضى اختلاط حماية النزاهة مع مكافحة الفساد ، أو تلك الفوضى في قرارات رفع الأسعار وفرض الضرائب وفوضى ارتفاع المديونية ، مما يقودنا كله إلى أمر في غاية الأهمية وهو فوضى خرق النظام والمحاباة في تطبيقه ، وصار طبقات؛ يحاسب من هو أدنه ، ويتغاضى عمن فوقه ،مما يتطلب وقفة ومراجعة قبل أن تصبح حالة الفوضى مرعبة!!

شاعت الفوضى لدينا ، فهناك فوضى سياسية في القرارات الحكومية غير المدروسة التي تعود عنها بعد ساعات أو أيام من صدورها ، وفوضى في أداء الوظائف والمهام الموكلة إلى أصحابها ، وفوضى التطاول على الانظمة والقوانين .

حتى العادات والتقاليد اصابتها حمى الفوضى ، ففقد المواطن الايمان بالعدالة الاجتماعية والقانونية ، فبتنا لا نميز الخطأ من الصواب ، فينصب المجرم في منصب رفيع ، ويُحرم المقتول من حقه في محاكمة عادلة تنصفه وتأخذ حقه من القتلة ، وعدم تنفيذ الأحكام بالرغم من صدورها على السارق وناهب مقدرات الدولة ، في حين يظلم آخرون على جرم لم يرتكبوه ، وعندها يفقد المواطن القيم وتموت بداخله.

الفوضى بديل أساس لغياب الاخلاق ، التي غابت عن شوارعنا وقيادة سياراتنا ، بعد أن لجأ بعضنا إلى اطلاق النار على من يأخذ حقه في الطريق أو لمجرد أنه ” لزَّ” عليه ، ووصلت الامور إلى اطلاق النارعلى طالب مدرسة لأجل ” هوشة ” بسيطة ، ودخل ” اكشن ” استخدام السلاح إلى قبة البرلمان ، إلى جانب الفوضى التي يشهدها قطاع التعليم، الذي ساء فصار المعلم يُعنف من قبل الطالب أو العكس ، وفوضى الاعتداء على الاطباء والصروح الطبية .

وأخطر أنواع الفوضى التي يشهدها مجتمعنا ، هو فوضى احترام السارق والفاسد والمختلس ، باعتباره “فهلويا وشاطرا”، حتى أصبح المواطن لا يجد عيبا في الاختلاس أو السرقة أو حتى السطو والاعتداء على أموال الاخرين.

بعد كل ما سبق يظل السؤال المحير الذي يبحث عن إجابة وسط هذه الفوضى: من المسؤول عن الفوضى .. ومن صنعها ؟ ومن المستفيد منهاا؟

Jaradat63@yahoo.com