مهمّات صغيرة / احمد حسن الزعبي

مهمّات صغيرة

احمد حسن الزعبي

لا أنكر أني كنت أحسدهم في تلك الفترة من العمر ، وكنت أعتقد أنهم يتمتّعون بمواصفات خاصة تميّزهم عنا عندما يختارهم الأستاذ إلى تلك المهمات ،لكني بعد أن وعيت جيّداً حمدت الله حمدت الله كثيراً أنني لم أكن بينهم ولم تكن لتقع عين المعلّم عليّ لأبقى نظيف الهيئة والملابس والتاريخ..
“مين يمسح اللوح” فيركض الأولاد من مقاعدهم يريدون أن يكونوا السبّاقين لمسح “وسخ”اللوح ويتقاتلون ويتخاصمون على هذه المهمّة ، من لم يجد ممحاة ،كان يسارع بتنظيف السبورة بأكمام “بلوزته” وبظهره وبأكفّه المهم ان ينجز المطلوب منه بأسرع وقت ممكن ، و أن يكون صاحب الحظوة في تنظيف المشهد ولو اتسخ هو فهذه المهمة له تكريم ما بعده تكريم .
طبعاً من لم يتّمكن من الوصول إلى اللوح أولاً أو نزع منه هذا التوجيب ، كان يجلس على كرسي المعلّم ويمسح بمؤخرته قاعدة المقعد وظهر الكرسي ، ثم ينظر بيعيني الأستاذ يتسوّل إشادة أو ابتسامة رضا ،أما القسم الثالث الذي لم يتمّكن من مسح اللوح أو تنظيف كرسي الأستاذ كان يتبرّع بمهمّة لا تختلف عن المهمّتين السابقتين من حيث الإجراء والتحصيل عندما يقترح قائلاً: “أكب الزبالة”؟؟..فيوافق المعلم على الاقتراح فيخرج الولد بدلو “الزبالة” سعيداً فرحاً بهذا التكريم الكبير مضحياً بالدروس التي يمكن ان يستفيد منها..
عقولنا الصغيرة آنذاك كانت تحثّنا على القيام بما يقوم به هؤلاء، كي نحفل بابتسامة رضا او غضّة طرف عن تقصير ، لكن فطرتنا وتربيتنا وعزة أنفسنا كانت تمنعنا من ذلك ، وكان الحاجز الفطري يلقننا درساً في السمو : ماذا يعني ان امسح اللوح بملابسي كي يبستم لي المعلم ؟ وماذا يعني ان امسح له الكرسي ليجلس على نظافة ؟ وماذا يعني أن أحمل قمامة الصف كلها بقذارتها تطوّعاً وتزلّفاً فقط لأكون من أصحاب الحظوة والمقرّبين ، وبالفعل عندما كبرنا عرفنا أن المهمّات التي كنا نراها كبيرة ونحن صغاراً ، ما هي الا مهمّات صغيرة لا يقبلها الكبار..
المهمّة الكبيرة أن تكون في مكانك الحقيقي، تحفظ درسك جيداً؛ إذا سئلت أجبت ،وإذا امتحنت نجحت، ممتلئاً ،وازناً…أول السطر،وعنوان الصفحة ، لا على هامشها..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com