كشخة / سهير جرادات

كشخة
سهير جرادات

فجأة، ودون سابق إنذار وجد نفسه مسؤولا عن الأمانات العينية والمالية لأهل بلدته الذين وثقوا به ، ومنحوه ثقتهم بأن يكون امينا على ممتلكاتهم ومقدراتهم ومستقبلهم ومستقبل ابنائهم .
لم يحلم هذا الشاب يوما بأن يحظى بهذه المكانة وكل هذا التقدير ، ولعدم تأهيله المسبق لتولي مثل هذه المكانه ، و لقلة خبرته حيث كان لاهيا في ملذات الحياة ، اعتقد أن الشيخة والكشخة التي حصل عليها في الوقت الضائع وبالركلات الترجيحية ، يجب أن يكون لها ثمنا ومقابلا.
في البداية ،وحتى يقنع أبناء بلدته بأن يبقوا بجانبه ، وأنه الحارس الأمين على مقتنياتهم ، وانه سيستمر في المحافظة على أموالهم ومقدراتهم ، وحتى لا يشاهدون أثر النعمة عليه ، كان يحرص في كل مرة يزور أهل بلدته ، على اختيار الكلمات : ماذا يقول ، وماذا لا يقول ؟ إلى جانب اختيار ملابسه ، حيث يصر على ارتداء بدلته القديمة التي يحتفظ بها في الخزانة ، ويحرص على إجراء بعض التعديلات على هذا الطقم من صليه بالمكواة ، أو نزع أحد أزرار جاكيت البدلة ، أو تركه متدلى ، أو أن يكسر نصفه ويترك نصفه الآخر ، ويصر على أن يرتدي ذات القميص الأبيض -المصفر -، الذي من قِدمه أصبح يميل إلى الاصفرار ، حتى لونه ( كلح ) من الغسيل المتكرر، وظل يستعمل تلك السيارة القديمة المليئة بالغبار أيضا.
بالتأكيد كان يحرص عند ذهابه لزيارة أهل بلدته على أخذ طعامه الخاص به معه، بعد أن تشكلت لديه قناعة بأنه غير مرغوب لديهم ، وعليه أن يكون حريصا من أن يدسوا له السم ،وفي كل مرة يعود من زيارة أهل بلدته ، يقضي ليلته بالتندر مع زوجته وابنائه ،عن زيارته والاطعمة والاحاديث التي تناولها هناك وطريقة كلامهم ولهجتهم،حيث ترافق الأحاديث التي يتناولونها الضحكات والغمزات الجانبية ، الى جانب الاستهزاء بهموم الناس.
الآن ، وبعد هذه السنوات ، لم يعد يأبه على الإبقاء على هذه الصورة ، واصبح يصر على زوجته أن ترافقه في زيارته ، أو أن تقوم بزيارات منفردة لأهل البلدة ، ويصران على أن يكونا على آخر طراز ، ويرتديان أفضل ما عندهما ، وأغلى وأرقى ما لديهما من مجوهرات ، وكل ما يفعلانه اظهار المحبة والمودة لاهل البلد ورسم الابتسامة على وجوههم ، مع الابقاء على عدم مشاركتهم لطعامهم ، والاستمرار في التندر عليهم بعد العودة .
رغم أن الزيارات أصبحت متكررة ، في فترات متقاربة إلا أن الهدف منها غير معروف ، فيما إذا كان لها ارتباط بأهل البلد الذين بدأوا برفع اصواتهم مطالبين بحقوقهم وأموالهم ومعرفة مصير ممتلكاتهم ومقدراتهم ، بعد أن اصبحت ظروفهم المعيشية صعبة جدا ، وهم أصحاب الارض والممتلكات ، فيما ظروفه عال العال وفوق الريح ، أو انهم سئموا من عدم المبالاة بأوجاعهم ومطالبهم،إذ ليس من المعقول أن يتنعم هو وعائلته بأموالهم وممتلكاتهم وهم يموتون في غيظهم .
Jaradat63@yahoo.com