رفقا بصورتنا .. لو سمحتم! / توجان فيصل

رفقا بصورتنا .. لو سمحتم!

توجان فيصل

أصدر «المجلس التنفيذي» لمجلس النواب الأردني قرارات من سبعة بنود تتعلق بالحضور الشعبي على شرفة المجلس وفي أروقته وبحضور الإعلاميين وبحضور النواب تحت القبة. ولمساحة المقال نتوقف عند أعجب بندين إن تم القبول بهما، يكون المجلس التنفيذي، الذي يرأسه رئيس مجلس النواب، قد عدل الدستور بـ»قرار» منه لا أكثر! ولكن نعرج على تذييل القرار بنسخ لجهات معنية بتنفيذه هي: قائد حرس مجلس الأمة، ومديرو الدوائر، و»المجلس التنفيذي». وقد يجد الرئيس وسيلة لتبرير عدم إرسال نسخ للنواب.. ولكن إرسال نسخة للمجلس التنفيذي هي مخاطبة للذات تدعو للتساؤل عمن اتخذ القرارات فعلا.

ونعود للقرارين، وأولهما «وضع زجاج حول الشرفات لغايات عزل الصوت»! ولكون العزل يعمل بالاتجاهين، فإن الحضور في الشرفة لن يستطيعوا سماع ما يقال تحت القبة، أي شطب حق الشعب الدستوري في حضور الجلسات ومراقبة ممثليه، والذي لأجله أقيمت الشرفات. فالمادة 85 من الدستور تقول «تكون جلسات كل من المجلسين- الأعيان والنواب- علنية على أنه يجوز عقد جلسات سرية بناء على طلب من الحكومة أو من خمسة من الأعضاء ثم يقرر المجلس قبول الطلب أو رفضه».

ولا يسعف زعم أو تبرير هذا بكونه لمنع ضجيج يأتي من شرفة الحضور. فالشرفة وكامل مبنى المجلس من الداخل والخارج، مضبوطة أمنيا من قبيل «الجيش» وليس حتى من قبل شرطة. وفي المرات القليلة التي أبدى فيها الجمهور امتعاضا أو رضى بالتصفيق، كان يتم منعه تحت طائلة إخراجه. وقد حدث هذا أثناء جلسات مجلس النواب الذي كنت عضوة فيه وتحديدا في شأن كالذي جرى الآن، وهو رفع الدعم عن الخبز.

فحينها أيضا كانت الشرفة مكتظة، والجمهور أبدى تعاطفه مع المعارضين لرفع الدعم، بالتصفيق. وهو ما أغضب رئيس المجلس حينها فهدد برفع الجلسة. فتدخلتُ لجهة حق الشعب في الحضور، وطلبت من الحضور أن لا يتدخلوا لا بهتاف ولا بتصفيق. وتم هذا. ولكن مسار حوارات الجلسة والتي صبت لصالح المعارضة، أظهرت سعادة الحضور بها رغم التزامهم الهدوء.. ففاجأنا رئيس المجلس بإعلانه رفع الجلسة وبأنه لن يعود لعقدها إلا إذا أخليت الشرفة، طالبا من الأمن إخلاءها.. وبالفعل قام وغادر موقعه. فخرجت للمسؤول عن الأمن العسكري قائلة أن من حق الشعب حضور الجلسات، والجيش هو حامي الشعب وحقوقه. وإذا كان رئيس المجلس يصر على أن لا يعود لعقد الجلسة إن لم يخل الحضور الشرفة، فأقله أن لا يُخرج الشعب من مجلسه. ويمكن للحضور أن يبقوا في المساحة الموجودة خارج باب القبة ولكن داخل مجلس النواب. وتعهدت له بهدوء الحضور التام (الذين ازدحمت بهم تلك المساحة وجلهم قادمون من محافظات بعيدة وبخاصة من»الكرك»). وهو ما أكده الحضور على وعد مني بأن أتولى إخبارهم بما يجري داخل القبة. وبالفعل كنت أخرج بين الفينة والأخرى لأوجز لذلك الحشد، ما جرى.. وما لا تعرفه سوى قلة مقربة من الملك حسين- الذي استذكر الحادثة معي- أنه سعد بتحاشي طرد الحضور (في ظل غضبة شعبية ألزمت لاحقا بالتضحية بالحكومة) ليعودوا لمحافظاتهم بغضب مضاعف!

أما القرار الثاني «للجنة التنفيذية» الذي يستوجب التوقف عنده، فهو «الاستئذان من رئاسة المجلس قبل الخروج من الجلسة». والمقصود هنا هم النواب.»لغويا» كان يجب ذكر النواب هنا. واللغة أمر لا يحتمل الخطأ حين يوظفها «مشرّعون» لكون القوانين هي أدق استعمالات اللغة بحرفيتها.. فيما الأدب، والشعر بخاصة، يغنيه استعمال كلمات حمّالة معاني. ولكن ذكر «الاستئذان» جاء دون أن يكون من يتوجب عليهم فعله جرى ذكرهم في الكتاب الرسمي.. فقد ذكر الصحفيون والمصورون مكررا وذكر المراجعون والموظفون ومديرو مكاتب النواب، ولكن لا ذكر للنواب. ولو تعذر نائب «مطواع» بأنه لم يُلزم بالاستئذان لوجب قبول عذره.. ولو قاطع صحفي أو مصور»ذكي» مجريات الجلسة بالاستئذان من رئيس المجلس بالمغادرة لما أمكن اتهامه بأنه يسخر.

ولكن، إن كنا فهمنا المقصودين بالاستذان بأنهم النواب، فهذا خرق آخر للدستور. فالنائب، في دستورنا وفي كافة دساتير العالم المعتبرة، لا قيد على حضوره أو مغادرته. والنائب في أمريكا وأوروبا يحق له ليس فقط أن يحضر أو يغيب كما يشاء، بل وأن يتعمد إفشال النصاب وقت يشاء، بل ويحق له الحشد لهكذا إفشال. ومن لا يعرف هذه الحقيقة عليه أن يعود لقراءة تاريخ برلمانات أمريكا وأوروبا.. أما أن يقال أن من بين النواب من يستحق أن يُلجم هكذا، فهو اعتراف صريح بخلل كبير في سوية قوانين الانتخاب ومجرياته بحيث تأتي بهكذا نوعية.

ولكن لهكذا «قرار» جانب طريف إن جرى تطبيقه. فهو يعيدنا لذكريات المدرسة حين كان على الطالب/ الطالبة استئذان المدرس/ المدرسة لمغادرة غرفة الصف. وحين تكون المغادرة للذهاب للحمام أو بزعمه ويرفض الطلب، كان الطالب يعيد طلبه بإصرار مرفق بحركات للجسد (لكون التلفظ بالأمر يعتبر غير مؤدب) تقول بأنه بالكاد يستطيع الصبر لحين يصل للحمام.. وهو ما كان ينتج إذنا فوريا. فهل سيضطر النواب لمثل هذا؟ هم سيضطرون حين يعز النصاب أكثر بغياب من لا يمكنهم الالتزام بالبقاء لحين يقبل الرئيس مغادرتهم، فيتشبث الرئيس أكثر بكل من حضر!

رفقا بصورتنا، فالعالم يرى ويسمع ويقرأ.. ويفكّر!