إعادة بناء “الأردني” / أحمد حسن الزعبي

إعادة بناء “الأردني”

أحمد حسن الزعبي

هو منهاج مكتمل الفصول؛ إفقار البلد وتحويل كل ما يأتيه من مساعدات خارجية وعوائد داخلية الى “كاش موني” داخل أرصدتهم – طبعاً بعد احتساب رواتب موظفي القطاع العام وترك القليل القليل من النقد لتزييت مفاصل الدولة حتى تبقى الأمور هادئة – مصادرة كل شيء و تسخير خيرات الوطن بيد فئة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ، إفشال المؤسسات الناجحة ،تحطيم صور المؤسسات التي ظلت ذات قيمة في وجدان الأردنيين والعبث بها ، مسح هيبة الدولة بقرارات متخبطة تارة واستفزازية تارة أخرى، تحويل الشكل والبنية من دولة مؤسسات وقانون إلى دولة “شرطية وأمنية ” بامتياز ، تسليم الكراسي الكبيرة لعيال صغار،تحكمهم النفعية والتكسب والمزاج لا الكفاءة والقدرة والحكمة ..وأهم فصل في منهاج التفكيك “تحطيم شخصية الأردني”..
لقد عصفت عوامل التعرية السياسية والاقتصادية في بناء “الشخصية الأردنية” على مدار عقدين أو أكثر حتى حوّلته الى “روبوت صامت” يأكل ويشرب ويدفع ضرائب وبصفق للقرارات ويتذمّر في سرّه ، لقد نجحوا في تحويله من مواطن هو أساس الدولة إلى مجرّد مقيم يدفع ثمن إقامته ، حولوه من منتج إلى متسوّل، من صاحب حق إلى باحث عن مكارم وهبات ، من مستودع الكرامة ، إلى مندوب للنفاق ومسح الجوخ والتكسّب ، من نهر هدّار في الشجاعة إلى بركة راكدة من الجبن ..في العقدين الأخيرين ، لقد غلّظوا العصا وصغّروا الجزرة وقصّروا طول الخيط بينهما ، فصار المواطن يركض خوفاً من العصا ومن الجوع معاً..ربطوا مستقبله براتب هزيل يتقاضاه يشبه رشّة الماء على فم مريض غرف الإنعاش ، تبقيه حياً لكن لا ترويه..من أجل جزرة الراتب وخوفاً من عصا “المناوب”، سكت على الخطأ، وشهد زوراً على بيع بلده ، وغض البصر عند جرّ الوطن إلى الهاوية ، صفّق للإمعات الرمّامين التّفّه ونافق لهم وسوّق وزوّق أخطاءهم وخطاياهم..
قبل أن نفكّر أن نستعيد ميناءنا أو فوسفاتنا أو بوتاسنا أو مياهنا أو ملياراتنا التي هاجرت في الجزر النائية ، علينا أن نعيد بناء الأردني الذي تفكك وانهار من الداخل..الأردني الذي يثق بنفسه ، ويثق بوطنه ، الأردني الذي لا يخاف الا الله ولا يسعى الا لرضا الوطن ، الأردني الذي يشبه من استشهدوا في معركة الكرامة ، ومن أحكموا قبضاتهم على طوريّاتهم ليرووا مزارعهم من قناة الغور الأردني، الأردني الذي يشبه المعلّم الواقف في مدرسة نائية في البادية..الأردني الذي يشبه آباءنا عندما كانوا مستقلّين اقتصادياً “شورهم من راسهم”، لا يخافون بالحق لومة لائم… إذا عاد الأردني إلى وعيه ،وتخلّص من “قرين الخوف” ، وعاد إلى ثوب راعي البيت لا ثوب “صبّاب القهوة” ، إلى فوتيكه الأخضر ،الى قميصه المشجّر، عندها سنستعيد كل ما ذكر..