من العمود للعمود / رائد عبدالرحمن حجازي

من العمود للعمود
رائد عبدالرحمن حجازي
من العمود للعمود بفرجها الرب المعبود هذا مثل له قصة وهي :- أن رجلاً في سالف الزمان لُفقت له تهمةً زوراً وبهتاناً وتم الحُكم عليه بالموت شنقاً . اقتيد هذا المظلوم وهو مكبلاً بالسلاسل الحديدية لمنصة الإعدام والتي كانت عبارة عن قاعدة خشبية مرتفعةً عن الأرض ويعلوها ثلاثة أعمدة وفي رأس كل عمود حلقةً غليظةً من الحبال الملتوية .
تمت مراسم جمع الناس للساحة كما كانت هي العادة وتم تصعيده للوقوف على ما يشبه الكرسي أمام العمود الأول بعدما فُك قيده الحديدي من قدميه وبقيت يداه مقيدتان خلف ظهره ووضعت عصابة على عينيه ، وكانت العادة أن يسأل المتهم قبل الإعدام بتلبية طلباً له قبل تنفيذ حكم الإعدام مثلاً كأن يقول أريد أن أودع أهلي أو أشرب ماءً أو أي شيء يمكن تلبيته له وهو على منصة الإعدام وغالباً ما كان المتهم لا يطلب شيئاً من هول الموقف . إلا أن هذا المتهم المظلوم عندما تم طرح السؤال عليه عن حاجةً يرغب بها فقال وهو يبكي : أريد أن يتم شنقي على العمود الثاني فما كان من قائد الحرس إلا الموافقة على طلبه وبذلك يكون المتهم قد كسب بعضاً من الوقت في هذه الحياة .
تمت عملية نقله للعمود الثاني ومع تكرار السؤال عليه فيما إذا كان له مطلباً أخيراً كما هي العادة ، فكان جوابه أنه يريد أن يتم شنقه على العمود الثالث والأخير . مرةً أخرى قائد الحرس وافق على طلبه كون العمود المتبقي هو الأخير ولن يبقى مجالاً لاختيار غيره . وأثناء عملية نقله من العمود الثاني للعمود الثالث وإذ بصوت أحد الحراس ينادي من بعيد ويصيح قائلاً : أوقفوا عملية الإعدام بأمر من مولانا السلطان فقد ثبت أن هذا الرجل بريء .
هلل الجميع وكبروا وعمّت الفرحة بينهم ، أما المتهم المظلوم فخرّ ساجداً حامداً لله وقال مقولته التي ذهبت مثلاً وهي ( من العمود للعمود بفرجها الرب المعبود ) .
أما نحن في ظل هذه الجائحة فنقول متضرعين إلى لله : يا رب بجاه قدرتك وجبروتك ولطفك ورحمتك أن تُزيل عنّا هذه الغُمّة عاجلاً وليس آجلاً . ( من يوم ليوم بفرجها رب الكون ) .