مرجعيات وتداعيات استعادة الأردن للباقورة والغمر/ عمر الردّاد

مرجعيات وتداعيات استعادة الأردن للباقورة والغمر

عمر الردّاد

رهانات وحملات إعلامية مكثفة، شنتها الحكومة الإسرائيلية على مدى الأشهر الماضية ،تشكك بقدرة الأردن على إنفاذ وعوده بإنهاء عقد تأجير أراض في الغمر والباقورة الأردنية لمزارعين إسرائيليين،وفقا لاتفاقية السلام المبرمة بين الأردن وإسرائيل عام 1994، حيث حفلت وسائل الإعلام الإسرائيلية ب”تسريبات وإشاعات” حول موافقة الأردن على تمديد العمل بملحقي اتفاقية السلام لخمس وعشرين سنة أخرى.

الرهانات الإسرائيلية ذهبت إدراج الرياح،وتم إغراقها في مياه البحر الميت،وهو ما يفسر الصدمة لدى المزارعين الاسرائيلين الذين قدمت لهم حكومتهم تطمينات غير واقعية،حيث تم إغلاق بوابة الدخول التي تسمح للمزارعين الاسرائيلين بالدخول للمزارع، بعد إخطار الأردن الحكومة الإسرائيلية بإنفاذ قراره.

لقد كان واضحا منذ إخطار الحكومة الأردنية في العام الماضي حكومة إسرائيل بعدم رغبتها بتجديد عقد التأجير لتلك الأراضي ،ان الفجوة عميقة بين الحكومة الأردنية والحكومة الإسرائيلية، ففي الوقت الذي ترى فيه الحكومة الأردنية ان قضية الباقورة والغمر قضية سياسية،وجاءت ردا على إجراءات وسياسات وقرارات الحكومة الإسرائيلية تجاه الأردن وقضاياه المرتبطة بالحل النهائي، تعاملت الحكومة الإسرائيلية بقيادة “نتنياهو” مع القضية في أطرها القانونية، بالتشبث بتفسيرات وعبارات وردت في الملحق الخاص بالتأجير، وكان واضحا ضعف الموقف القانوني للحكومة الإسرائيلية، وأنها ستنصاع لتنفيذ الاتفاق كما ورد.

في تفسير مرجعيات الخطوة الأردنية وتداعياتها،من غير الممكن القفز على حقيقة ان القرار الأردني كان متوقعا، في ظل موقف صارم من جلالة الملك عبدالله الثاني، لم يكن مصادفة ان يتم الإعلان عن استعادة السيادة الأردنية “على كل شبر من أراضي الغمر والباقورة” وان يقوم الجيش العربي برفع العلم الأردني في الأراضي المستعادة،بالتزامن مع خطاب العرش في البرلمان الأردني،بالإضافة لموقف شعبي أردني يقف خلف الخطوة الملكية بحماسة غير معهودة،في ظل قناعات رسمية وشعبية بان إسرائيل بقيادة”نتنياهو” تستهدف الأردن في الوصاية الهاشمية على المقدسات، وتحرض على الأردن في المحافل الدولية ،على خلفية تمسكه بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران، وعاصمتها القدس الشرقية،وإجراءات مرتبطة بإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين،بما لا يتفق مع مصالح الأردن وأمنه الوطني.

تطرح اليوم تساؤلات حول تداعيات الخطوة الأردنية، تصل لدرجة التساؤل حول مستقبل معاهدة السلام، وفي تقديرنا فانه لا يمكن المبالغة بالخطوة الأردنية، وإخراجها من سياقاتها بكونها “محطة”في الصراع مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، لذ فان التقدير باحتمالات تطوير هذه المحطة باتجاه إلغاء معاهدة السلام تبدو غير واردة،رغم ضغوطات شعبية وبرلمانية  تطالب بذلك،اذ يدرك الأردن التزاماته الدولية تجاه السلام، كما تميز القيادة الأردنية بين الحكومة الإسرائيلية بقيادة “نتنياهو” وخضوعه لأحزاب يمينية إسرائيلية متطرفة،ترى ان الحل المستقبلي للقضية الفلسطينية خارج حدود فلسطين التاريخية،وبين دولة إسرائيل التي تم توقيع معاهدة السلام معها، وان تيار “نتنياهو” وتحالفه غير قادر على تحقيق الفوز بالانتخابات الإسرائيلية ،وبما يمكنه من استمرار قيادة الحكومة الإسرائيلية وإنفاذ مخططاته وأطروحاته.

وبالإضافة للموقف الشعبي الأردني الذي يشكل ركيزة أساسية ومرجعية للقرار الأردني،فان الأردن يستند في موقفه الى مقاربة أصبحت واضحة بان ما يسمى “صفقة القرن” لن يكتب لها النجاح باعتراف مهندسيها والقائمين عليها،وتحولات في مواقف عربية اعتقدت إسرائيل انها مع الصفقة،في حين ان كافة الدول العربية اليوم ،رغم ما يبدو فيها من ضعف ملتزمة بحل الدولتين،وهو ما تؤيده قوى دولية في الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وأوساط واسعة في أمريكا ومن داخل إسرائيل

اتجاهات العلاقات الأردنية – الإسرائيلية ستكون مرتبطة بمدى التزام إسرائيل بعملية السلام ومرجعياتها، وفي مقدمتها الحقوق الفلسطينية بالدولة المستقلة،بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات الإسرائيلية، وان رسالة الأردن من “الغمر والباقورة” مفادها ان الأردن لن يساوم على حقوقه وحقوق الفلسطينيين معه.

كاتب اردني

oaalraddad@gmail.com