ارشِ وامشِ / سهير جرادات

من منا عند مراجعته لاحدى الدوائر بشأن معاملاته ، لا يواجه صعوبات في إنجازها ؛بحكم الروتين ووجود ثغرات وفجوات قانونية تقف عائقا أمام إنجازها، إلى جانب ما يمكن أن يتعرض له الشخص في بعض الأحيان لمزاجية الموظف الذي يمارس( التنمر ) على أخيه المواطن ، مستغلا سلطته الوظيفية للتعبير عن سخطه على وضعه.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد ، بل وصل إلى ماهو أخطر ، بعد تفشي ( الرشوة ) خاصة في القطاع العام ،إذ لا يمكن إنكار اتساعها بطريقة لم يعد من الممكن السكوت عنها ، وتحديدا بعد أن أعلن مدير هيئة النزاهة ومكافحة الفساد منذ أكثر من عامين عن ممارسة عشرين قطاعا لما يعرف بـ ( الفساد الأصغر ) ،ويعني بذلك الرشوة ، وهذا بحد ذاته اعتراف مبطن عن تراجع قيمنا واخلاقنا .

باتت ( الرشوة ) والحديث عنها أمرا غير مستهجن ، وخرج عن النطاق الضيق ، وبات المواطن عرضة دون وجل أو خجل إلى دفع الرشوة مقابل تقديم الخدمة له ، وإنجاز معاملته ، وهذا لا يعود لمشاهدات خاصة فقط ، بل اصبحت متداولة بين العامة، ويتم الإفصاح عنها أمامنا نحن الصحافيين ، لا لنقوم بالتنبيه لها ، انما للتاكيد بأن الأمور “خربانه” .

من هنا يأتي السؤال ، لماذا يقبل المواطن دفع الرشوة ؟ ولماذا أيضا يطلب الموظف الرشوة ؟ والسؤال الأهم : لماذا لا يُبلغ المواطن عن الموظف الذي يطلب الرشوة ،وتجده في حالة صمت عن هذا التصرف، الذي لم يعد مقبولا؟ !.

والأهم في اتجاه بعضهم لمثل هذه التصرفات ،هل فقد ( الراشي ) الثقة بسيادة القانون وتطبيقه؟ وقبل ذلك فَقد الثقة بهيئة النزاهة غير القادرة على حماية الانسان المُبلغ، وبالتالي غير قادرة على حماية نفسها ،كل هذه الظروف جعلت المواطن يلجأ الى البحث عن واسطة لإنجاز معاملته ، وبات يبحث عن موظف ” مرتش ” لحل مشكلته ، ولا نغفل أيضا أن تفشي الفساد بكل أشكاله ،جعل الموظف العام المرتشي، يتجه الى تبرير ذلك التصرف ، وسرقة المال العام بحجة أن ( الراتب لا يكفي )؟!!.. ” لكن الأهم من كل هذه الطروحات ، لماذا الدولة تسكت على هذه الممارسات ؟ هل لأنها مستفيدة ؟

اليوم أصبح كل شيء ملموس، فمجرد زيارتك لإحدى المؤسسات الخدمية ، تلاحظ من خلال مواقف السيارات التي تحولت إلى معرض للموديلات ( الفارهة ) ،التي لاتتناسب طرديا مع الرواتب ، مما يثير الدهشة والاستغراب، وتجد بعض هؤلاء الموظفين (المرتشين)،يتباهون بتملكهم لأكثر من شقة سكنية،ولا يخفون ذلك، وفي حسبة بسيطة تجد أن مجموع رواتبهم على مدار خدمتهم لا يمكنهم من شراء شقة ، هذا بعيدا عن معرفة ورصد المبالغ للإنفاق على الطعام والشراب !..

الموضوع الأهم والمستغرب ، انك عندما تنقل للمسؤولين عن بعض حالات الرشوة التي نشهدها ، تكون الإجابة :”جيب الاسم وأبشر” !.. (والله جد صدقتك! ).. وشخصيا كنت قد تعرضت قبل سنوات لطلب رشوة مبطنة، وكتبت عنها ، وجلست بانتظار جهة تتصل بي ، إلا أنه للأسف لم يتصل بي أحد ، وبادرت للاتصال مع جهة مختصة بمكافحة الفساد، والنتيجة صفر لصالح المواطن ، مقابل هدف لصالح الموظف المرتشي.

هل علينا في الوقت الحاضر ، ولغاية القضاء على ” الفساد الاصغر ” وهو ” الرشوة” التي باتت ظاهرة ، أن نُعيد النظر بالقوانين والأنظمة والتعليمات والتشريعات لنقضي على المقولة التي أصبحت دارجة ، وتعطي الرشوة الشرعية : ” ارشِ وامشِ وكل شيء بمشي ” ، أم ستبقى هذه الآفة طالما هناك من يستفيد منها… !

Jaradat63@yahoo.com