في بيتنا “حرامي” / د. عبدالفتاح طوقان

في بيتنا “حرامي”

د. عبدالفتاح طوقان

تبدو رواية الكاتب المصري الراحل إحسان عبد القدوس «في بيتنا رجل»، في أيامنا هذه مليئة بالمواعظ الوطنية والأخلاقية الطيّبة، ولا سيما ان أصبحت فيلما متميزا في بداية الستينات، أي وسط ما يُعرف بالزمن الجميل، ثم ظهرت قصة السطو المسلح على البنك «في عمان» لشخص من عائلة الملقي لتوحي من جديد بالزمن الرديء و تصلح عنوانا لفيلم حكومي ” في بيتنا حرامي”، وكما أنكر في فيلم في بيتنا رجل وجود “فدائي” أنكر في الواقع الأردني في بيتنا “حرامي”..

مجرد ان بعث رئيس الحكومة برسالة الي الاعلام الأردني ان من سرق البنك المنتمي الي عائلة الملقي ليس من اقاربه وتنصل منه، أصبح في موقع الضعيف والمخطئ، حيث اظهر للعلن اسم السارق وكنيته مخالفا تعليمات مدير الامن. وأيضا وضع نفسه في صوره عدم التصديق والاشتباه في الراوية، لان نفي النفي اثبات، ولم يكن ليضيره وجود سارق للبنك او قاطع طريق من العائلة، فكل اناء بما فيه ينضح، وليست كل أصابع اليد متماثلة.

كما ان كل شخص مسؤول عن افعاله وأن كل شاة معلقة بعرقوبها، وكما قال الله تعالي في سورة الاسراء، الآية ١٣، ” وكل انسان الزمناه طائره في عنقه”. صدق الله العظيم.

عموما ” الملقي ” سارق البنك والحرامي لا هو الأول ولا الأخير الذي سرق بنكا خلال الشهرين اللذان مرا في الاردن، ولا هو الأول ولا الأخير الذي مسك علي يد جهاز الشرطة الكفؤ واليقظ، ولكنه الأول الذي يحمل لقب عائلة رئيس الوزراء والأول الذي يتنكر رئيس الحكومة ويتنصل من الصلة به، مؤكدا ان عائلة الملقي القادمة من سوريا لا يوجد منها الا أربع رجال فقط في الاردن.

وقد صرح رئيس الحكومة د. الملقي بتاريخ الأول من ابريل ٢٠١٨ للصحافة المحلية بالقول:” انه لا يعرف الا اربعة من عشيرته”. انتهي الاقتباس.

هذا التصريح يشير الي ذهنية رئيس الحكومة ويثير مجموعات وليس مجموعة من أسئلة، من ضمنها إذا كان عدد افراد العائلة أربعة فقط فهم لا يشكلون عشيرة، فلماذا اتي به بكل المناصب التي تقلدها؟ ولماذا اهتمت أجهزة الدولة بالصرف عليه وتعليمه ووضعه في مناصب مختلفة؟ هل فقط لأنه ابن رئيس وزراء سابق ام هناك شيئا مخفيا؟

في معني العشيرة ومقوماتها يأتي تعريف العشيرة بأنها مجموعة من الناس تجمعهم قرابة ونسب حتى لو تفاصيل النسب غير معروفة، او قائمة على روابط رمزية حيث تتشارك حول العضو المؤسس او السلف الذي يعتبر رمزا لوحدة العشيرة.

هذا الطرح الرباعي ينفي عن رئيس الوزراء ان لديه عشيرة أصلا فكلهم حسب حديثه او معرفته هم أربع اشخاص وأقل من عشرة من ناحية، ومن ناحية اخري لو فعلا هناك عشيرة وهو لا يعرف الا أربعة منها وهم اهله ونسبه وعزوته فكيف اذن بعلاقته مع الشعب الأردني.

هل يعرف من الشعب الاردني فقط اربعه أيضا؟ وهل يقبل ان شخصا لا يعرف من عشيرته الا أربع ان يدير حكومة ويعرف وزرائها وانسبائهم و أقربائهم و عشائرهم، ام قدمت له الأسماء و امتطي السرج وهو غافل عنهم؟

ان انكار رئيس الحكومة صلته بحرامي وسارق البنك لا ينفي النسب وبالإمكان العودة الي السجلات المدنية ورقم قيد الجوازات في الأحوال المدنية حيث كل مواطن حصل على الجنسية كتب في ملفه بناءا على رقم معين واحرف محددة للتدليل من اين اتي الشخص ومن هي عشيرته واصوله.

لا بد من مصارحة الشعب بالأدلة عن سارق البنك ان كان فعلا من عائلة الملقي التي ينتمي اليها رئيس الحكومة ام انه مدعي او انه يوجد أكثر من عائلة تحمل اسم الملقي في الاردن، ثم اين كان هذا السارق وقت ان زار الرئيس قبر والده وهل شارك السارق في عزاء والده الرئيس او سبق وان التقاه او التقي والده؟ يجب توضيح الأمور والا فأن الملقي يمر بتحديات أخلاقية حقيقية.

عشيرة الملقي هي عبارة عن مجموعة من البشر ينتمون إلى نسب شامي واحد يرجع إلى جد أعلى من سوريه، وغالبا ما يتكنون بكنية هذا الجد، وتتكون من عدة بطون أو من عدة عوائل، فلماذا التنصل؟

ينظر العامة الي ويفسرون انكار رئيس الحكومة لصلته بحرامي وسارق البنك بأنها حالة اجتماعية تجاوزت مظاهر الطبقية في التعامل بين الأفراد في انتمائهم وثقافتهم ومستوى الثراء بينهم لتصل إلى حد «الطبقية» بين أفراد العائلة الواحدة؛ لدرجة أن للأسف هذا التنكر للأقرباء اما بسبب انهم من الفقراء او في وضع الاتهام بالسرقة أمام الناس والمجتمع عموماً، ويزداد الأسف حين يكون التمييز بين رئيس وزراء وحرامي لا يعرف أحد الأسباب وراء السرقة ولا يعرفون عن سجله الاجرامي ان وجد.

ويري البعض ان لا فرق بين رئيس وزراء مد يده الي جيوب المواطنين مستخدما قانون الضرائب ورفع الأسعار دون وجه حق وحرامي مد يده وأفرغ خزنة بنك. ما الفرق بالله عليكم؟،ويتساءل البعض من الذي عليه ان يتنصل ويتنكر للأخر رئيس الوزراء ام حرامي البنك؟

للأسف أن بعض من ضعاف النفوس في العمل السياسي في الأردن يطبقون شرط قطع الاواصر والتنكر للأقارب والأصدقاء وللقيم ولكل الناس في سبيل البقاء في المنصب الذي من شروطه الا تتكون عائلة الرئيس او المسؤول الكبير لأكثر من أربعة اشخاص.

استرجاع التاريخ، الذي ليس من السهل التغاضي عنه، يؤكد أن تجربة الحياة السياسية الأردنية في الأغلب تقوم علي اما “فرق تسد” بتقسيم العشيرة او رئيس ذو اخ واحد ليس له من الأقارب أحد. وهذا ما ينطبق على تصريح رئيس الحكومة ” لا اعرف من العشيرة الا أربع”.

التنصل ليس ملحمة بطولية ولكن يفتح الباب على مصراعيه امام سؤالا هاما وهو إذا تنكر رئيس الحكومة وتنصل من علاقة القربي، فماذا هو فاعل إذا الم حدث ما بالشعب او الأردن، فهل يتنصل منها كما فعل مع من يحمل لقب عائلته.

وهل يعقل انه خلال أكثر من أربعين عاما لم يعلم رئيس الحكومة ان هناك من يحمل لقب الملقي في الأردن غير الأربع اللذين تحدث عنهم ويجهلهم المواطن.

حديث الشارع الان هو من هم هؤلاء الأربع من عائلة الملقي اللذين ذكرهم رئيس الحكومة؟، وينتظر رد موثق من مدير دائرة الأحوال المدنية والجوازات ووزير الداخلية لأثبات او نفي تلك العلاقة ضمن مفهوم ” حق المعلومة” والشفافية، وان كان ذلك لن ينف ان الحكومة تغولت على الشعب والسارق تغول على البنك.

أصدق الصدق الأمانة، وأكذب الكذب الخيانة.

” في بيتنا حرامي” فيلم دراما سياسي من الدرجة الاولي ورسالة بالستية في مرمي الحكومة.

aftoukan@hotmail.com