بلا طعمة / سهير جرادات

بلا طعمة

سهير جرادات

أصبح كل شيء بلا طعم ، طعامنا فقد طعمة المعتاد ، فلم يعد له اي خاصية أو مازية أو نكهة، ولم يعد يحمل ذلك الطعم اللذيذ الشهي العالق في الأذهان الذي عودتنا عليه الأمهات والجدات ، ويرجع ذلك الى اننا اما فقدنا من كن يقمن بالطهي الممزوج بالحب والحنان ، وأما لتلك الهرمونات الدخيلة على مزروعاتنا التي تم ادخالها عليها ارضاء لطمع التجار وجشعهم ، الذين لا يرضيهم الا ما يدخل في جيوبهم ، بغض النظرعن مصلحة الآخرين وصحتهم.والأمر لم يقتصر على غذائنا ، بل وصل الى شرابنا الذي لم يعد يشرب من الحنفية ، كما كنا أيام زمان نشربها مع العافية من الحنفية مباشرة ، أو بعد تفريغها في جرار لحفظ البرودة ، ولا ألذ منها ولا أطيب ، الا أنهم أقنعونا بعدم صلاحيتها ، وأنها ملوثة، وأصبحنا نشتريها في قواريربلاستيكية ، فزادت معها الأعباء المالية على المواطن ، لتصل أثمانها ضعف فاتورة مياة البلدية.
غياب الطعم ، وصل الى شهر رمضان ، بعد أن تسلل الى صحن حلوياتنا ، الذي سلب الحلا من طعمه ، وألزمنا أن نقبل غياب الـ” قطر”عن صحن حلوانا ، وبتنا نعيش في فيلم رعب اسمة :انهاء خدمات وتسريح أبنائنا العاملين في دولة قطر ، لنفقد مع هذا القلق طعم الحلاوة من الحلويات الرمضانية التي أصبحت بلا ” قطر ” ، بعد مقاطعتها.
ولم يعد مقتصرا فقدنا للطعم في مأكلنا ومشربنا وتحلايتنا، بل وصل الى أننا فقدنا طعم كل ما هو جديد ، أو تغيير ، فلم يعد للحكومات طعم ولا لون ولا رائحة ، وأصبح التغيير الحكومي أمرا لا يتعدى التفكير به ،وتداول أخباره أكثر من بضع ساعات أو أيام على أقصى حد ، أما التعديلات التي تجري على حكوماتنا ، والتي تصل الى ثلاث مرات على الحكومة الواحدة ، فلم تعد تعنينا ، ولم نعد نستسيغها أو نتذوق طعمها ، لأنها فقدت الطعم الذي يملأ المخ ويرضي الذوق.
ان التعديل الحكومي الأخير على حكومة الملقي ، أثبت أنها حكومة اصلا بلا طعم ، ولم يعد لها أي مازية ، لان تكليف وزراة في الحكومة لادارة الوزارات التي طلب من وزرائها الاستقالة لدليل واضح على عدم الرضا عن الحكومة وادائها من الجهات العليا ، التي سمحت باجراء التعديل ، ولم تسمح بادخال عناصر جديدة عليها ، ووافقت على تكليف بعض عناصرها فقط بمهام الوزارات التي تم اجراء التعديل على رؤسائها ، مما يدل على أن هناك تغيرامقبلا ، اما باعادة تشكيل بفريق حكومي جديد ، يلقى استحسان المصادر العليا الغاضبة من سوء الاداء ، أو قد يكون هناك تشكيل حكومي جديد بطاقم ورئيس جديدين.
الطعم والنكهة ، فقدتها حكوماتنا واعضاؤها ، فلم نعد نشعر باي طعم يميز حكومة عن غيرها ، أو أركان وزارة عن سابقاتها أو حتى لاحقاتها ، وأصبحت التشكيلات الحكومية بلا طعم ، بعد أن أصبحت كتب التكليف السامية لا تنفذ ، ولا يترجم منها شيء على أرض الواقع ، وتتوقف عند كتاب الرد على التكليف فقط ، ويترك بعدها دون أي تنفيذ أو متابعة.

يا ترى هل السنتنا فقد خاصية التذوق ؟!، أم أننا نحن من فقدنا حاسة الذوق في كل شي ، ولم نعد نتذوق أي طعم ، ولم نعد نميز بين هذا الطعم ، وذاك الطعم ، ولم نعد نميز بين المذاق الحلو والمر، أم يا ترى الأمور جميعها لم تعد لها طعم .. ” ما الذي تغير ؟ .. هل الذوق فُقِد ؟ أم الضمير مات والانتماء غاب؟