الأردن في “امتحان درعا”!/ د محمد ابو رمان

الأردن في “امتحان درعا”!

د محمد ابو رمان

من الواضح أنّ هنالك مخططاً من قبل نظام الأسد وإيران لهجوم شامل غير مسبوق على مدينة درعا، يجري التحضير له منذ أسابيع، وبدأت إرهاصاته في الأيام الماضية عبر قصف مكثف على بعض المناطق، في محاولة معلنة لعزل درعا البلد عن الريفين؛ الشرقي والغربي، وحصارها، بالتزامن مع السيطرة على العديد من المناطق الاستراتيجية المحيطة بها.
الهدف من هذه العملية يتمثل في عرقلة مشروع المنطقة الآمنة في الجنوب، التي دارت حولها المفاوضات الأميركية- الروسية في عمان، في الأيام السابقة، وهي فكرة تلقى رفضاً كبيراً من جانب طهران والنظام السوري، لذلك تجري المحاولة الراهنة لإفشال المنطقة الآمنة، عبر فرض واقع جديد على الأرض، قبل وصول الأميركيين والروس إلى تفاهمات نهائية حولها، ما يجعل المسألة لاحقاً أكثر تعقيداً وصعوبة.
خلال الأسابيع الأخيرة حاولت قوات النظام والميليشيات الحليفة التقدم في البادية السورية، شرقاً، وسيطرت على قرى وبلدات عديدة، لكن التحالف الأميركي- الغربي رسم “خطّاً أحمر” لها على بعد ما يقرب من 50 كيلومترا من التنف، إذ قامت الطائرات الأميركية بقصفها مرتين، وألقت عليها منشورات توضّح أنّ تلك المنطقة أصبحت في دائرة النفوذ الغربي، والمقصود هنا بلدة التنف وما حولها.
يجري الحديث عن تحويل التنف إلى قاعدة عسكرية مهمة واستراتيجية لقطع الطريق على الممر البري من طهران إلى المتوسط، وهو الممر الذي تسعى قوات الحشد الشعبي إلى تأمينه في مناطق حدودية أخرى، بعد أن وصلت إلى الحدود العراقية- السورية للالتقاء بالقوات المتحالفة معها من الجهة الأخرى من الحدود.
بالعودة إلى درعا، فإنّ إيقاف تقدّم القوات السورية- الإيرانية شرقاً باتجاه التنف سينقل الثقل الرئيس في الإعداد والعمل على إفشال المنطقة الآمنة إلى محافظة درعا، لمحاصرة الجيش الحرّ هناك، والضغط عليه للتراجع باتجاه الحدود الأردنية.
أردنياً تمثّل هذه الحملة العسكرية تحدياً وامتحاناً صعباً، فهنالك من حيث المبدأ ثلاث نتائج خطيرة على الأمن الوطني، الأولى في احتمال أن يؤدي القصف والهجوم إلى هجرة أعداد كبيرة من اللاجئين باتجاه الحدود الأردنية، ما يعني ضغوطاً إنسانية ودولية جديدة، والثانية الاقتراب من الحدود الأردنية، واضطرار الجيش الحرّ في معركة الكرّ والفر إلى الدخول لمناطقنا، وهو ما قد يؤدي إلى احتكاكات وربما مواجهات على أكثر من صعيد، والثالثة أنّ انهيار الجيش الحرّ أو سقوط تلك المناطق، سيدفع بأفراد الفصائل المسلحة القريبة من الأردن، وهم بالآلاف إلى أحضان داعش أو جبهة النصرة، وبالتالي يصبح الخطر مزدوجاً على حدودنا، أي الحرس الثوري الإيراني وحزب الله أو داعش (الذي يسيطر على قرى حوض اليرموك) وعودة جبهة النصرة إلى درعا، بعد أن كانت قد نقلت أغلب مقاتليها إلى محافظة إدلب!
ما هي خيارات الأردن والولايات المتحدة الأميركية؟ على الأغلب سيتم الاكتفاء بدعم الجيش الحرّ، كما حدث سابقاً، وربما تقوم الولايات المتحدة وبريطانيا بتزويده بسلاح نوعي لمواجهة هذا الهجوم الشديد. لكن في حال فشلت تلك الفصائل وتقدّمت القوات السورية، فإنّ الامتحان سيصبح أكثر صعوبة، بخاصة أنّ القراءة الأردنية تتحدث اليوم عن ميليشيات وليس عن الجيش السوري، الذي أصبح عدده الحقيقي قرابة 40 ألفا، وكان الأردن قد أعلن بوضوح أنّه لن يقبل بوجود ميليشيات موالية لإيران على الجانب الآخر من الحدود!
حماية مشروع المنطقة الآمنة والقلق من سيناريوهات درعا وتأثيرها على الأمن الوطني الأردني هذه أسئلة مهمة ورئيسية أمام الأردن في الأيام القادمة.