واجهتي الإعلام الخليجي / راتب عبابنه

واجهتي الإعلام الخليجي

راتب عبابنه

المتابع للإعلام العربي عموما والخليجي خصوصا لا يجد عناءا بالخلوص أن النسبة الغالبة منه تأخذ صف الإعلام السعودي وتصبغ برامجها الإخبارية بصبغة إعلام قناة “العربية” السعودية التي لا تنفك عن عرض “مساوئ” النظام القطري، إذ أوصلتنا لحد الملل والضجر لكثرة تكرار عرض بعض المواد والتسجيلات والتسريبات التي تدين قطر.

فهي بسقفها العالي لكشف ما يدين قطر ويفضح نظامها إنما تحاول بكل إمكاناتها المهنية والمادية إيصال رسالة للمشاهد العربي عن بشاعة السلوك القطري وأهدافه فيما يتعلق بدول الخليج وباقي الدول العربية.

وقناة “العربية” أُطلقت لتكون الواجهة السعودية أمام قناة “الجزيرة” القطرية التي حتى إطلاق العربية كانت قد تصدرت قائمة اهتمامات المشاهد العربي وخصوصا ببرنامجها الشهير “الإتجاه المعاكس” الذي حصد عشرات ملايين المشاهدين بتطرقه لبعض المحرمات وكشفه الكثير من المستور والمخفي ما جعل كافة الأنظمة العربية تضيق ذرعا بقناة الجزيرة ومن خلفها دولة قطر.

كما وسببت صداعا شكى منه العديد من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. أما “العربية” فقد جاءت كردة فعل ومنافس للجزيرة لتاخذ صفة الإعتدال بطرحها وعلى عكس الجزيرة التي اتصفت بالحدة والهجومية.

لا شك أن قوة ووصول القناتين للمشاهد يعودان لوقوف دولتين تدعمانهما بشكل غير محدود. في خضم الأزمة الأخيرة وحربها الإعلامية بقيادة “العربية” و “الجزيرة” يلاحظ المراقب والمتابع أن صفة الإعتدال قد سقطت بالحديث عن العربية مثلما سقطت صفة الحدية عن الجزيرة.

فنجد الجزيرة تركز على ردود الفعل العالمية تجاه قطر وتعاطفها معها دون استعراض ما لديها من تسريبات تدحض بها ما يصدر عن الفريق الآخر. ومن الواضح تماما أن الجزيرة لم تلجأ للتصعيد رغبة بتجاوز الأزمة واكتفت بالعتب وشرح ما يعود به الحصار القاسي المفروض عليها والذي لا يقل عن حرب بالمقاييس العسكرية.

السعودية تقول ما تشاء من خلال العربية ما لا تقوله من خلال شاشتها الرسمية ونفس الحال ينسحب على قطر فتقول من خلال الجزيرة ما لا تقوله على شاشتها الرسمية.

فالدولتان بحالة مناكفة وخلاف وتقاطع منذ سنين طويلة تبلورت هذه الحالة غير المستقرة من خلال الشاشتين العملاقتين. في هذا السياق والزخم الإعلامي والتسارع بالأحداث يبدو لنا المشهد وكأن الطرفين بحالة استنزاف ومناوشات ومشاغلة لفرض الوجود وخلق إزعاج نفسي من خلال حرب معنوية دعائية للتأثير على الطرف الآخر.

حسب ما يشاع فقطر “تدعم” الإرهاب وتدعم الإخوان وحماس وتتآمر على بعض الأنظمة العربية.

اما دام الأمر بهذه الخطورة ويتعلق بنشر الإرهاب وتغذية القائمين عليه، فلماذا السكوت عن كل ذلك؟؟ من المعلوم أن قطر لم تدعم مصر بالمليارات رغم عدم التوافق بين مصر والسعودية بما يتعلق بالأزمة السورية والحرب على الحوثيين ولم تدفع لأمريكا نقدا أو بالإستثمارات مثلما لم تدفع نصيبها للأردن من المنحة الخليجية. نضيف لذلك علاقة قطر القوية مع تركيا وصلت حد الدفاع المشترك.

والنهج السياسي التركي لا يروق للكثير من الأنظمة العربية.

وعلاقة قطر مع إيران أيضا والتعاون معها في بعض النواحي يضاف للأسباب التي تراكمت لدى الشقيقات لتتخذ ما اتخذته من موقف حاد وقاسي من قطر.

لنتوقف عند دعم قطر لحماس.

يطالبون قطر بوقف المساعدات والدعم لحركة حماس الجهة الوحيدة الباقية تحت اسم المقاومة. ورفع اليد عن حماس يعني التسليم لإسرائيل لتصنع ما تشاء دون منازع.

كما أن احتضان قطر لبعض قيادات الإخوان يدخل في صلب العداء المصري لقطر وليس بالبعيد عن الإمتعاض الشديد من قبل شقيقات قطر التي دعمت نظام السيسي للإنقلاب على حكم الإخوان.

ليس من المستبعد وحال الإخوان المسلمين بأضعف حالاته انه تم الطلب من الأردن تصنيف الحركة الإسلامية إرهابية كما فعلت مصر وغيرها.

وهذا ما يفسر الترخيص لعبد المجيد الذنيبات بتشكيل واجهة رسمية تم اختيار أعضائها ممن ركبوا موجة توجه الدولة. وللحقيقة والشفافية، فإن قطر غردت كثيرا خارج السرب العربي واتخذت مواقف مضادة للأردن رياضيا وسياسيا وماليا ما جعل منها دولة مناكفة لا تسعى للوفاق العربي والمصلحة العربية.

ولا ننسى أن الدول الخليجية الأخرى لم تكن بحال أفضل مع الأردن لو أخذنا بالحسبان الكرم الحاتمي على نظام السيسي في الوقت الذي يعلم القاصي والداني حاجة الأردن للدعم وقد قارب على الإفلاس، إذ نسبة الديون تجاوزت ألـ 95% من الناتج المحلي الإجمالي.

هذا مع إقرارنا وتقديرنا لما قدمته هذه الدول على مر السنين. وهنا ولنكون منصفين، وصلت هذه الدول لقناعة تامة أن زمن الشيكات قد ذهب أدراج الرياح وحل مكانه المساعدات المشروطة بإقامة مشاريع تنموية يتم تمويلها على مراحل.

وهذه القناعة تولدت لدى هذه الدول كونها تساعد دولة وشعب وليس نظاما وحكومات والشيكات لم يظهر مردودها على الشعب وكانت ترصد بحساب فلان وعلان من المتعاملين بالشأن المالي الأمر الذي جعل المانحين يبحثون عن وسيلة تضمن وصول منحهم للمكان الآمن.

شعبيا، الإصطفاف مع هذه الدولة أوتلك سواء في الأردن او غيرها من الدول التي اختارت الإصطفاف مع هذه او هؤلاء، لم يلقى ترحيبا كما تبتغي الأنظمة والحكومات وذلك عائد لكون الشعوب غالبا ما تكون ضحية لمواقف حكامها ولا ترغب بمعاداة بعضها.

الأزمة الخليجية ستنفرج عاجلا أو آجلا وتبقى المواقف بسجلات الدول ويمكن استغلالها باي ظرف ترى به الدول مبررا لاتخاذ موقف مناوئ.

تبدو تحركات أمير الكويت ومساعيه لاحتواء الأزمة بدأت تأتي أكلها وندعو له بالتوفيق والنجاح لجمع الكلمة وتوحيد المواقف ونبذ السياسات المسيئة.

كما أن استماحة العذر وتقدير المواقف والضغوط الممارسة على البعض نرجو أن لا تغيب عن فطنة وحكمة أمير الكويت لأخذها بالإعتبار وتمريرها للمعنيين المباشرين بالأزمة.

فمنهم من توقع من الأردن أن يقطع العلاقة قطعا تاما ومنهم من تفاجأ بخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي ورحيل السفير.

لكل دولة ظروفها وخصوصيتها ومصالحها التي تفرض المواقف التي لا تروق للآخرين أحيانا. ولا ننسى