رٍأسمالية المروحة / أحمد حسن الزعبي

رٍأسمالية المروحة

أحمد حسن الزعبي

..برغم كل وسائل الراحة والتكييف ، الغرف المبرّدة وثلاجات الماء والسيارات المكيّفة وعوازل الحرارة التي تفصل الجدران ، ومع ذلك لا يمرّ يوم الا ونضجر ونتأفف من درجات الحرارة المرتفعة ولا نطيق الوقوف لدقائق معدودة تحت الشمس أو نحاول أن نتغلّب مع التعطل المفاجئ لمكيف البيت أو نفاد الغاز من مكيّف السيارة… السؤال الذي يخطر ببالي دائماً كيف كان أجدادنا يعيشون الصيف بدرجات حرارته المرتفعة اللاهبة التي نعيشها اليوم ،ولم تتوفّر لديهم أدنى وسائل التبريد وتلطيف الجو، فحتى منتصف القرن الماضي لم تكن الكهرباء متوفّرة في مختلف المدن والقرى في العالم العربي..وأقصى اختراع كانوا يتمتّعون به هو وضع البشكير المبلول على الرأس والإنسداح على أرض الغرف الطينية ساعات الظهيرة وسكب الماء من جرار الفخّار على الصدور والمؤخرات حتى يغالبهم النعاس وينامون تعباً لا نعساً و استمتاعاً..

طبعاً لم تقنعني الأجوبة في مجملها التي يقولها من بقي على قيد الحياة منهم أنه “الحرارة لم تكن بهذا الارتفاع” وأن الجو كان أبرد بكثير من هذه الأيام ، غياب التسجيل وضعف اهتمام الجهات المعنية بالاحتفاظ بتاريخ درجات الحرارة لعقود مضت لا يترك أمامنا الاّ ان نوافقهم ونصدّقهم مع بقاء السؤال مطروحاً كيف كان القدامى يتعاملون مع درجات الحرارة المرتفعة في غياب اختراع التكييف؟..
أذكر في ثمانينات العصر الماضي كان لدينا مروحة أرضية بساق واحدة ، يحتكرها غالباً كبير القوم ويحرم باقي أفراد العائلة بحجّة الخوف من إصابتهم بالتهاب القصبات الهوائية ، لم تكن هذه المروحة تضيف شيئاً جديداً في آب ، سوى أنها تأخذ الهواء الساخن من الجو وتعيد توزيعه على الحضور ، كانت أشبه بمجفف الشعر “السشوار” الا أنها من غير مقبض ،كانت تمرّ أيام قائظة كالتي نشهدها الآن..مع اختلاف بسيط ان بيوت الطين كانت تحافظ إلى حدّ ما على حرارة الغرفة ولا تقوم بامتصاص الحرارة كما تفعله بيوت الاسمنت الحالية ..لكن التعرّق واحد والشوب واحد ، والنوم على البطن واحد و الناموس واحد..إلى أن تم اكتشاف المروحة السقفية …عندها تم كسر احتكار “كبير القوم” الإقطاعي الرأسمالي لوسيلة التبريد اليتيمة…وأصبح الهواء “شيوعيا” للجميع يتوزع ساخناً أيضاَ لكن بالتساوي هذه المرة..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com