المنسف / للباحث الدكتور أحمد شريف الزعبي

المنسف :
بقلم الباحث الدكتور أحمد شريف الزعبي
إن أول صناعةٍ المنسف كان على يد المؤابيين، إذ كانت الحروب مستعرة مابين مملكة المؤابيين، والتي نشأت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ودامت حت القرن الرابع قبل الميلاد، وهي تقع مابين شمال الكرك إلى شمال الشوبكي.
وعلى إثر خيانة اليهود للعهود والمواثيق في عهد الملك المؤابي، فإنه أراد أن يختبر شعبه في أنه معه في حربه مع اليهود، فطلب منهم أن يطبخوا اللحم باللبن في يومٍ معين، وبث عيونه بين أفراد الشعب، فوجدوا أن الشعب قد امتثل لطلب الملك ميشع، عندها حارب اليهود وانتصار عليهم انتصاراً مؤزرا.
المنسف :
وهو صناعة أردنية منذ زمن قديم،وذكر يوسف درويش غوانمة في كتابه “التاريخ الحضاري لشرقي الأردن في العصر المملوكي” نقلاً عن العيني في : عقد الجمل، ج 2، ق 1، لوحة 115، “مخطوط” أن أهل الأردن قد عرفوا المنسف منذ مئات السنين، والذي ما زال استعماله حتى يومنا الحاضر، وقد جاء في كتابه المذكور ومن الأكلات التي كانت شائعة في العصر المملوكي (المنسف)، ويتكون من اللحم المطبوخ في اللبن الرّائب، وتوضع رقاق الخبز في إناء واسع (صينية كبيرة من النحاس)، ويطرح فوقه الأرز أو البرغل، ثم يغطى الجميع بقطع اللحن الكبيرة والسمن واللبن الذي طبخ به اللحم، وبعد الطعام كانوا يحتسون القهوة المعدة من البن اليمني، وصنعوا الأجران الخشبية (المهابيش) لدقه، واستعملوا المكسرات من: الجوز واللوز الذي كان يكثر في جبال مؤاب وأودية حسبان والكرك وعجلون( ).
إن هذا يدلّنا دلالة واضحة أن المنسف هو رمز الكرم الأردني والضيافة التي لا تعلوها ضيافة في نظره، فنجده عندما يقدَّم المنسف لضيوفه الأعزاء عليه ، ماسكاً (الكبشاية) المليئة بشراب اللبن (المليحية)، ومستعداً لوضعها أمامهم، من أجل تسهيل عملية الأكل، حاثاً ضيوفه بالاستزادة من طعامه، ومن أفعالهم: قدِّم منسفك وحط إصبعك بعين السلطان.
ويراعى أن يكون اللحم، من لحم الخراف البلدية، وأن لا يزيد عمر الخروف عن سنة واحدة، وأن يكون خالياً من الأمراض، ويسمّى لحم غصيب، أمّا إذا كان فرحاً عاماً كالأعراس والطهور، فلا يشترط عمر الذبيحة أو نوعها.
وهناك قول: “لحم الخروف لأعز الضيوف، ولحم الجدي للرّدي”. يوضع الشراك كفراش للأرز ، ويغمر بالمليحية، فيسمى بالهفيت، ثم يوضع الأرز على المنسف بشكل هرم مفلطح، ثم يوضع اللحم على شكل تكو يعلوها رأس الذبيحة، كما يراعى أن تكون الشذاة (وهي الجزء الأعلى من الفخذ وتكون كبيرة الحجم) أمام الضيف الكبير، ويرش فوق الأرز اللوز والصنوبر والكاشو ، والبعض يضع البقدونس في فم الذبيحة.
وتجد المنسف في كل المناسبات، فهو:
1. طعام القرى في يوم الزفاف.
2. ويقدّم في مناسبة الطهور.
3. وفي أيام العزاء، يوم الوفاة وبعدها.
4. إكرام الضيف بتقديم المنسف.
5. تعمله العائلة في المناسبات وغير المناسبات لأفراد الأسرة.
6. يقدّم عند قدوم الغائب.
7. يقدّم في الصلحات.
8. كما يقدّم المنسف بمناسبة وفي غير مناسبة.
والمنسف لا يؤكل فردياً، وإذا قدّم فردياً فهو احتقار للشخص الذي قدِّم له، فالمنسف يجمع الناس، ويؤلف بينهم.
كما أنه يجمع أفراد الأسرة أيام الجمع والأعياد.
ومن السلوكيات قبل تقديم الطعام (المنسف) ما يلي:
1. أن يضع المعزب لحماً أكثر من حاجة الضيوف، حتى لا يوصف المعزب بالبخل.
2. تحضير الماء للضيوف لغسل أيديهم قبل تناول الطعام.
3. يوضع المنسف أمام الضيف الأعلى مرتبة اجتماعياً.
4. أن يوضع إناء الماء الخاص بالشرب بالقرب من الضيوف ، فإن شرق أحدهم فالماء يكون حاضراً، ومن أعرافهم إذا شرق الضيف بالطعام ولم يكون الماء موجوداً فعلى المضيف دفع ديته.
5. أن يأذن المعزِّب بتناول الطعام قائلاً: أهلا وسهلاً ، اتفضلوا على الميسور.
أن لا يأكل أحد، قبل أن يمد الضيف الكبير يده إلى الطعام.
6. أن يبقى المعزب واقفاً وبيده (كبشاية) المليحية، لتقديمها لمن يحتاج.
7. أن يقول المعزِّب كلاماً طيباً لضيوفه، مكرراً عبارات الترحيب، وحاثهم على الاستزادة.
للطعام آداب يجب أن يراعى، فقد قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: يا غلام سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك.
قواعد سلوكية خاصة بتناول المنسف:
1. أن لا يتقدم الضيوف باتجاه الطعام قبل أن يأذن المعزب بذلك.
2. أن يوجّب الضيوف بعضهم بعضاً أثناء التقدم نحو الطعام.
3. على الضيف أن يجلس القرفصاء ، ويده اليسرى إلى الخلف واليمنى محدودة أمامه.
4. على الضيف أن يقول: بسم الله، قبل تناوله الطعام ، لطرد الشياطين.
5. أن يأكل بيده اليمنى.
6. أن يأكل الشخص مما يليه.
7. أن لا يمد أحدهم إلى الرأس قبل أن يمد يده الكبير، أو يأذن بذلك، وأن لا يقتصر لحم الرأس على واحد دون أن يطعم الآخرين، والبعض يترك الرأس للمعازيب.
8. أن لا يستخدم كلتا يديه، أثناء تناول الطعام.
9. على الشخص الأعلى مرتبة اجتماعياً أن يتفقد جماعته عنه، فعليه أن يلاحظ إذا كان حظه من اللحم قليلاً أن يمده بشيء من اللحم.
10. عدم النفخ على الطعام.
11. أن يجلس حول المنسف العدد المناسب من الرجال.
12. أقرب شخص للمعزب، يعزِّب (يكرم) الآخرين.
13. طلب الشراب قدر الحاجة وبأدب.
14. أن لا يكون اللحم لونه أسود أو أحمر، فهذا عيب بالطعام.
15. أن لا يكون اللحم غير ناضج.
16. للضيف الحق في القيام عن الطعام إذا وجده غير مملّح.
17. لا يحق لأحد أن يعيب الطعام.
18. الشخص الأعلى مرتبة اجتماعياً يقوم عن الطعام آخر واحد.
19. على الجماعة (أو طورة) ، أن يشبعوا بسرعة ، حتى يتيحوا المجال (للطورة الثانية)، وهناك مأثورة شعبية تقول: غُب غَب جِمال واشبع قبل الرجال
20. أن لا تأكل (الطورة الأولى) كل اللحم الذي أمامهم، فهناك طورة ثانية، وهناك المعازيب أيضاً.
21. أن لا تحوم يد أي واحد على قطع اللحم الأخرى، وإلا اعتبر شرهاً.
22. أن لا يأكل الشخص بالملعقة، وإنما باليد ، ويفضل أن تكون درابي (دحابير).
23. أن يشكر الضيوف المعزِّب عند الالنتهاء من تناول الطعام.
24. غسل اليدين بعد الانتهاء من الطعام.
ومن القواعد أيضاً:
ومما يؤثر عن النبي عليه السلام: أنه ما عاب طعاماً قط، فإن استساغه أكله وإن لم يستسغه لا يذمه.
1. أن لا يعيب الضيف الطعام مهما كان.
2. أن لا يقوم الشخص الذي يأكل عن الطعام أثناء تناوله، فالقاعدة تقول : لا سلام على طعام.
3. يقول القادم الجديد بعد السّلام: هنهم، أي هنيئاً لمن يأكل، فيرد أحدهم: مننا ما انت منهم. أي لست من الشياطين، وهذه دعوة للطعام أيضاً.
ومن العبارات التي يقولها الضيوف بعد تناول الطعام:
• كثِّر خيرهم.
• سفرة دايمة وصحابها سالمة.
• أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة، وذكركم الله فيمن عنده.