14
كنانه نيوز – ثقافة- موسى النعواشي –
قراءة نصية في قصيدة ” نزيف من خاصرة الوقت ” للشاعرة فوزية الحيدري بقلم الأديب الأردني هاشم خليل عبدالغني.
![](https://news.jsofts.net/wp-content/uploads/2020/06/104392464_1584721301706956_2278959229294474809_n-300x300.jpg)
الشاعرة فوزية الحيدري
فوزية الحيدري شاعرة حساسة مرهفة تملك بداخلها مشاعــر جميلة وأحاسيس مليئة بالحب والعاطـفة … الـدفء في قصائدهــا ( جمال وتوق )، تبحث عن الحب بمنظار خاص في رحلـة حياتــية استكشافيــة، ، تــميز شعرهــا بالسلاســة المتنــاهية وبقوة الكلمـة المعبرة، صريحة في قصائدها الشعرية ، بوحها وتعابيرها الشعرية متقنة متماسكة .
فوزية الحيدري شاعرة تونسية متميزة ومربية فاضلة من مدينة سليانة ولاية الكاف تكتب بتميز قصيدة النثر ،قال عنها الناقد عبدالله القطاري الشاعرة فوزية حيدري شاعرة مرهفة الحس ، تتقن فن الكتابة الشعرية موسومـة بمخيال شعري شفيف تتركب فيـه الـصور وتتراكض حبلى بالدلالات بإيقاعات تملك النفس وتستعذبها) .
الحيدري شاعرة سجلت حضوراً فاعلاً في الساحة الثقافية التونسية بمشاركتها فــي إقـامة أمسيات شعرية فـي مخـتلـف المـدن التونسية إلى جانب مشاركتها في عدد من المهرجانات الثقافــية على الصعيد الوطني .. صدر لها حديثا ديوانا جـديداً بعنوان ” أنت لي ” ديــوان يعزز مجموعتها الشعرية السابقة .
سنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على قصيدة تستحق الدراسة والاهتمام للشاعـرة فوزية الحيدري (نــزيف من خـاصرة الـوقــت )
أول مــيزة لقصيدة الشاعــرة الحيدري، تطــالع القــارئ “عــنوانها المتميز “، فــقد وفقــت الشاعرة في اختياره ، لأنه يعــبر عن واقع حال ما يعتمل في صدرها من يأس وأمل ، وما يعتمل في الواقع من ماسٍ وتطلعات وأحلام .
نلاحظ أن الشاعرة لجأت لإسلوب التشخيص ، حين خلعت على عنوان القصيدة الحياة ، فصورت ( الوقت ) في العنوان ككائن حي ينزف من الخاصرة، فالنزيف( خروج الدم بغزارة ) وهذه من صفات الإنسان وليس من صفات الزمن (الوقت) .. والسؤال الذي يتبادر للذهن ، ما طبيعة هذا النزيف وما أسبابه ومبرراته ؟ هل هي الهموم العامة أم الخاصة ، أم كلاهما معاً .. هذا ما سنتعرف عليه من خلال قراءة القصيدة نصياً .
حين عزمت الشاعرة على الرحيل ، جمعت في حقيبة ( ذاكرتها ) ما تشتت من أوجاعها وهمومـها إلى جــانب بعض من الحـب القـوي الذي أستوطـن قلبها ،كما حمـلت أيضاً قلقها المتمثل في (الاضطراب الانزعاج ،الإحــساس بالضيق والحرج ، وعـدم الاستقرار النـفسي ) وبـرفـقـتها سـكــوتهــا الــمتـمرد الــذي يفــور بالعــصيان والثــورة، لـعـــدم القــدرة الخــاصة للتعــبير عـن الذات ، فـي مواجــهة واقــع قــاسٍ، دون شعـــور بالخــوف أو التوتر، ومرد ذلك يعود لمعوقات بيئة ونـفسيـة .
تشكو الشاعرة فوزية الحيدري عذاباتها قائلة : دمــوعي الحارقــة أججت وألهبت جراح القلب وأشعلت إحزاني ، فالقلب خفاق والجفن مسهد ، علي بذلك استعيد أيام الوصال والسعادة والفرح .
نزيف من خاصرة الوقت
جمعت في حقيبة سفري
آهاتي
وبعضا من شغفي
حملت قلقي العميق الأسود
صمتي المتمرد
جمرات دمعي أيقظت نيراني
علي أعيد ترانيمي الغابرة
يتبين ممـا تقـدم أن الشاعـرة تحدثت عن هموم ذاتية استنزفت طاقتها وتحدثت أيضاً عــن مجاهدة النفس وشحن العزيمة ، للتغلب عــلى الإحـسـاس بالتـوتر والقــلق والــكآبــة.. وفـي جــو مشحـون بتأثيرات نفسية وعــاطفية مـن ( التوتر والانفعال والقلق)، في هذا الجو تهمس الشاعرة بصوت خفي :
نحن في هذه الدنيا حيارى تائهــين لا شأن لرغباتنا فـي حلـنا وتـرحالنـا ، حيـارى لا نعــرف وجـهتنا السليـمة ، حيارى لاكتشاف ومــعرفة العــديد مــن أسرار الحــياة وألغازها !! الإحساس بالحيرة أربكنا وأذهلنا وأثار دهشتنا ! كظلال وهمية نعيش حالة من التمويه في زمن إخفاء الحقائق، أوصلتنا هذه الظلال لنقطة لا يمكن التحرك أو التقدم بعدها .
تضيف الشاعرة فتقول : بأنها ارتحـلت وتنقلت بين مسام الضياع والحزن والغربة ، أطارد حــلماً ضائع ، يرافــقني صمتي وعـويلي متسكعة بتخبط بين دهاليز القــصيدة ومنحنياتها بــلا هـــدف دون الاهتداء لوجهة ما ، وأنــا أخفــي طـقوس عبوري المثقلة بتراث ضخم من المراسم الاجتماعية البائسة ( عادات وتقاليد موروثة ) ومنتج أدبي وثقافي متمرد على هذا الواقع المر .
همست:
نحن في الدنيا حيارى
ظلال النهاية في كل شيء
سافرت في المتاهات
تسكعت بين قوافي القصيدة
وأنا اخفي مراسم عبوري
بين وارف خمائل مفروشة برحيق إزهار طيب البنفسج فراشـة ( امـرأة ) مقيــدة بسلاســل زمــن التخـلــف والقــهر ، تتوق لركوب السحب والإنعتاق ، لترتشف رحيق الحرية الصــافي، كــي تتــصرف بملء إرادتها واختيارها ،وتـنشـد الحرية مــن مجتمـع يجــنح للظلـم والاستبداد والعـبوديــة ،وتشــير الشــاعــرة إلــى أنــه لا يمــكـن أن يتحـقــق الرفاه والتقـدم والازدهــار، إذا اختلـت موازين العدل وعم الفساد وتصدر المفسدون .. لذا تقاوم الشاعرة بفكرهــا ومــواقفــها الفساد والبغي والقهر، وتستمر في طريق الرفـض والتمــرد ،عــلى واقع مهترئ وحيدة بلا رفيق بار، يكن لها المودة والحب ، ويضمها لصدره تكريما واحتراماً ،إذا التقيا دون موعد أو انتظار ذات لقاء !.
على رحيق البنفسج في الدروب
فراشة تنشد الحرية
من هجير الشمس..
من مداد الحنين…
وأنا أمر من وراء غبار الحياة
خلف غيم السنين
لا يرافقني في الطريق رفيق
يعانقني حينما نلتقي
صدفة…
في المقطع الأخير من القصيدة تتساءل الشاعرة من أنا ؟ أنا مشـاعــر دفيـنة وأحاسيس مرهفة أنا امرأة عطشى للتطور والتحرر والأمان ، أنــا امرأة عاطفتها دائماً مستيقظة ،أحمل مطراً خفيفاً من العطاء، مطر جالب للخير أينما هطل، ومحرك للخصوبة أينما حل.
لا يشجعني ويثير رغبتي في العطاء والتمرد عـلى الذل ،سـوى حسرتي وحزني وهـدوئي وصــمتي ،وتضــيف الشاعــرة …ولــكـن دمــوعي حيــن هــاجت وماجـت فتدفقت .. كشفــت مـا كنـت أخفــيه وأتحفظ عليه بشده … من حب عفيف مثالي صرف ، ليكون وطـني أول من التصقت وتعلقت به وأحببته حباً شديداً.
أنا الظامئة للسلم..
أحمل رذاذ المطر
لا شيء يغريني…سوى لهفتي… وسكوني
ويثور دمعي ما كتمته من الهوى
ليهفو وطني اول عشاقي
مما تقدم يلاحظ أن الشاعرة الحيدري، اختارت مفرداتها بدقة ودون تكلف ،ووضعت المفردة المناسبة في المكان المناسب، بكل أناقة وبساطة .
في النص بوح شفيف ، وآهات متمردة ، ومناجاة روحية ذات نزعة صوفية ، وينبض النص بصدق الإحساس ويعبر عن لواعج النفس وارتعاشات الروح .
فوزية الحيدري من الأصوات الجميلة جداً في الساحة الشعرية التونسية ، تستحق القراءة والمتابعة.