استنهاض الهمم في قصيدة ( بلادي )للشاعر الدكتور إبراهيم الطيار / بقلم هاشم عبدالغني

كنانه نيوز – ثقافة – موسى النعواشي –
استنهاض الهمم في قصيدة ( بلادي )للشاعر الأردني الدكتور إبراهيم الطيار
هاشم خليل عبدالغني – الأردن
إبراهيم الطيار ..شاعر أردني يحـاول بـكل حيوية وصدق ترك بصمة في الحركة الشعرية الأردنية ، بـما يملكه مـن موهبة وقـدرة إبــداعـية متــمـيزة ،يحــاول عــبر قـصائـده الــوطنية والـوجــدانية ملامسة هموم الإنسان الأردني والعربي ، نصوصه حافلة بالعواطف المتأججة والأحاسيس المتوقدة والخيال الذكي الطموح.
الشاعر إبراهيم الطيار الملقب ” بشاعر اليرموك ” يحمل شهادة الدكـتوراه فــي التعليم الصحي،من جـامعة الـيرموك الأردنية ، مدير مختبر طبي فـي مستشفى اربد التخصصي، محـاضر سابـق في قسم المخـتبرات الطـبية فـي جامـعة سبهـا الليبية، ومحاضر سـابق أيضاً في قسم المختبرات الطبية في جامعة البلقاء التطبيقية الأردنية .
للدكتور الطيار ثمانية كتب علمية في مجال تخصصه العلمي ، وفي المجال الأدبي له ديـوانان شعريــان هما ” إلــى ملهمتي ” وديـوان “الأسطورة ” .
كما أن الدكتور الطيار شارك بفاعلية في الأنشطة الثقافية الأردنية والعـربيــة ، مــن أبرزهــا ( مهــرجان سـاكب الدولـي للشعر العربي – مهرجـان الشعلة السيــاحي الأول والثاني – مهرجان عرار الثامن للشعر العربي الأردن) كمــا شــارك الشــاعر في مــصر ( بمهرجان الشعر العربي – أكاديمية الزهراء – ) إلى جانب مشاركته في ندوات شعرية في الأردن وليبيا ، كما أن الطيار مدرب في تنمية الموارد البشرية ، و مدرب لفن الإلقاء ومهارات التواصل.
يبدأ الشـاعر قصيدته بالـحديث عن وطنه الأردن، بــذكر أهــم
الصِّفــات العــربية الأصــيلة والأخلاق الإسلامــية التـي تُميِّز الشعب الأردني ،من أبرزها الشهامة .. فالشهامة من صفات الرجــال العظام إنَّهـــا عـــلامــة عــلى علوِّ الهمَّة، وشرَف النَّفس ، تشيع المحبَّة في النُّفوس ، وتنَشْر الأمــن فــي المجـتمع ،وطني الأردن مــن شهامــة أهــلـه فيه مــن المعاني السامية،ألتي لا تفارق أهله العراقة والجود والشرف وعــراقة النسب ، وطني يباهي الدنــيا بعـلو مكانته وقوته وعـــزته ، ويرتقـــي أبناؤه نحو السؤدد والمجد … بلادي العزيزة تستــوطــن فــي قلـــوب أبنــائها ، نسجـنا خــيوط محــبتها بمغــزل الوفاء والانتماء والفداء .
هذي بلادي من شهامة أهلها
فيها الأصالة لم تفارق ظلها
المجد والشرف الرفيع مباهيا
يسمو إلى العليا ليبقى قربها
هذي العزيزة في القلوب مكانها
غزلت بأنسام المحبة ثوبها
 
ينتقل ” الطيار ” للحديث عن ارث وطنه الأردن، فالأردن “تاريخ وحضارة ” فالتاريخ يبعث الثقــة في نفـوس الأردنيين ووجـدانهم فهو مفيد للحاضر الذي يعيشونه ، والمستقبل الذي يطمحون إليه .
من هنا ينبع اهتمام الشاعر باستحضار التاريخ .. فيستحضر مـن تـاريخنــا المعــاصر، ذكــرى مــعركة الكــرامة ، التي اظهر الجنـدي الأردني قوته وشجاعته وقدرته وحنكته القتالية التي عطر أريجـهـا ارض المــعركة ، حــيث عانــق النــصر المــؤزر وعانقـت الشمس الهائمــة بـشغف ارض الكــرامة ، الــتي تمكن فيها الجيش العربي الأردني مــع الفدائيين مــن الانتصار عـلى قوات الصهاينة وطردهم مــن أرض المعــركة مخلفين وراءهم الآليات والقـتلى دون تحقــيق الكيان الصهيوني لأهدافه.
إرث لها من عمق تاريخ مضى
ريح الكرامة والرجولة نفحها
لم تستكن أبداً للوثة غادر
بل عانق النصر المؤزر أرضها
والشمس هائمة تعانق تُربها
لأن الذاكرة هي التي تحفظ تاريخ البطولات العربية الإسلاميـة فإنها لا تتوقف عند معركة الكرامة بل تنسحب على معركة اليرموك التي وقعت رحاهـا بالقرب من بلدة الشاعر( سحم ) شـمال الأردن بمحاذاة نهر اليرموك.
انتصار الجيش الأردني المؤزر في معركة الكرامة عام 1968م جعلت الشاعر يعود يذاكرنه لانتصارات العرب المسلمين في معركة اليرموك على الإمبراطورية البيزنطية ، التي دارت رحاها على في شمـال الأردن ،عــام (15 هجرية – 636م).. هــذه المعركـة كــانت بداية تقدم الإسلام السريع في بلاد الشام والعراق .
يقول الشاعر ما سر عظمة معركة اليرموك، التي بقيت عالقة في أذهاننا عـلى مـر الزمن ؟ من رجالها بدت إرادة صلبة ثابتة ، عـلى تحـقيق النصر وهزيمــة الـبيزنطيين ، ويشير الشاعـر إلــى الخطـة العبقرية التي اتبعها خالد بن الوليد ،( حــين أمره أبو بكر الصديــق التوجه لنجدة جيش المسلمين في ارض الشام )، لقطع المفازة بين العراق والشام ، حين أمـر بتعطيش الإبل ثم سقيهـا وشـد مشافرها حتى لا تجتـر، وذلك لاستخـدام الماء المجتمع فــي كــروشها وقت الحاجة ..
يشير الشاعر إلى الصعوبات التي واجهت المسلمين ، من ظروف قــاسية وأحــوال صعبة وقــلة فــي الـعتاد والعـدة ، وجـوع وعطش ولكن الصحابة بتماسكهم وقوة عقيدتهم وثباتهم، وعدم استسلامهم للواقع المر حولهم ، واستعدادهم للتضحية والبذل، ورغم صعوبة الــواقع، فــالصحابة اقبــلوا عــلى التضحية بالنفس فــي سبــيل الله فالتَّضْحية بالــنَّفس من أعــلى مراتب التَّضْحية فأصابَ جيشَ الروم اضطرابٌ ورعبٌ شديدان من شدة قتال الجيش الإسلامي ، فــداست
حوافر خيولهم البيزنطيين واستقرت رماحهم في رقابهم .
ويشيد الشاعر بموقعة اليرموك ،فيؤكد أن السر الكامن وراء نـصر المسلمـين فيها لــم يعــد ســراً ، إنــه الإيــمان والثبـات والتضحية ،هذا السر رافد مجد وسؤدد يسري في شريان نهر اليرموك .
عادت بي الذكرى فكانت من هنا
يرموك لا لا تحتجب ما سِرُها…
منكم عباءات العزيمة قد بدت
سقت الهزيمة للعِدى في نحرها
هل كانت الصحراء تعلم أنهم
شربوا السنام ولم يناجوا سُحبها..
من كان يعلم حين أقبل رحله
أن الطريق تفارقت في دربها
لكن أرواح الصحابة لم تعد بل
أقبلت بالشوق تطلب ربها
باتت بأعناق الغزاة رماحهم
وسنابك بالحق دكت جيشها…
لله في اليرموك سرٌ ما خبا..
شريان عزٍ نافذ في نهرها
الرابط العاطفي بين الشاعر( إبراهيم الطيار ) ووطنه يشكل السمة الاولي المميزة، لهذا النص الشعري الوطني، فيخـاطب وطنه الأردن .. مؤكدا أن الرجولة تقتضي من رجالك الوفاء بعهدهم ،عهد الآباء والأجداد وتحمل المسؤولية والثبات ومواجهة المصاعب ، بالحكمة والتعامل بتأن وعقلانية ، عهد الرجـال أن تظل راياتنا فـي عـليائها يحرسها ويذود عنها الرجال بأرواحهم وستظل بين العين والهدب.
أردن يا عهداً بشرقك موعد
فيه الرجولة سوف تُنفِذ عهدها
أبداً ستبقى في العلا راياتنا
محروسة بالعين بل في هُدبها
عهدا وإن طال الزمان على الفتى
وتعالت الأصوات تطلب نصرها
يواصل الشاعر التعبير عن عمق حبه لوطنه العربي الكبير ومدى تلعقه به هذا التوجه في قصيدة بلادي ، منحها شحنــة عاطفـية ووسمها بصـدق الحـرارة …فيحــمل الشاعــر عــلى مــن باعــوا وتــأمروا عــلى أوطــاننـا ومقـدساتنــا، فيصـفهم بـسرعة الانـقيــاد والخــضوع ، والضعـف والهوان ويقسم الشاعر بعزة الله والوطـن الذي نعشق ، لنأخذ بحق أوطاننا بالـقـوة لأن نفوسنا تأبى الذل والهوان ، والخضوع للأعداء ، تيمناً بالهدي النبوي الشريف .
من باع أوطاناً وفي ذل هوى
قسماً بعزته … ليأخذ حقها
لا النفس ترضى أن تعيش بذلة
دون النبوة هديها وطريقها
وفي نهــاية القصيدة يدعو الشاعـر للوحـدة ونبذ الفرقة …وتحـكيم شرع الله ..مع الأخذ بمَظَاهِرُ التَّقَدُّمِ وَالرُّقِيِّ فِي مَيَادِينِ العِلْمِ وَالدِّينِ وَالفَـنِّ وَالأَدَبِ وَالمِعْمَارِ.. فديننا دين عــلم وهداية وتحضر … كـما يدعــو لاستنهاض الهمــم للتمسك والتبــصر بالدين ، وذلك بتحكيم شرع الله وسنة نبيه عليه السلام ، في جميع مجالات الحياة، فديننا بضوئه الساطع رافق حضارتنا ضد الظلمة والتخلف .
يكفي التفرق والتشرذم والهوى
من كان يرجو ذاك فليحظى بها
نحن بأمر الله ندعو للهدى..
للسير في درب النبوة والنهى
تحكيم شرع مع بناء حضارة
إسلامنا بالنور رافق دربها
مجمل القول يفتخر الشاعر بوطنه الأردن ، كما يفتخر بتاريخنا العـربي الإسلامـي ، ويـدعو لوحـدة الصـف العـربي ، ونبــذ الفرقة والتنازع والاختلاف ، والتمسك بالدين ونهج السلف المـشرف فـهو مـلاذ آمـن لحاضرنا ومستقبلنا كـما يـدعو الشاعر للأخذ بكل أسباب العـلم والتحـضر ، كـما يـرى أن الحـضارة الإسلاميـة لا تفـصل بيـن العلم والدين ، أو بين التقدم المادي والتمسك بالقيم الروحية .