خيارنا الشعبي اكذوبة
كتب نادر خطاطبة
ما زلنا نركب الموجة الخاطئة ، بالاستجابة لترويجات ان مجالس النواب ( خيارنا وتمثلنا ) ونحن من كل ذلك براء، بالطبع اذا ما استثنينا حالة مجلس 1989 الذي كان بداية يؤمل منها ان تؤسس لروافع برلمانية افضل ، لكن روافع الضغط بالاتجاه المعاكس وان استكانت لواقع فرض قسرا عقب هبة نيسان، لكنها نجحت رويدا رويدا بسحب البساط من تحت اقدام كل التيارات السياسية والاجتماعية، التي شكل بعضها بصيص امل لبناء ديمقراطي نموذج.
لست بمعرض النقاش ان كانت التجربة بعد عام 89 مرضية خارجيا، ولا بقضايا خضوع الرسمي لاملاءات عالمية واخرى عربية باتجاه افشالها لاعتبارات كثيرة لا مجال لها بهذه العجالة ، لكنني معني برفض استمرارية جلد الذات الاردنية، وتحميلها مسؤولية خيارات لاعلاقة لنا بها من قريب او بعيد، واقصد الافرازات النيابية التي تلت مجلس 89 .
كنت يافعا عام 1989 ، وهو تاريخ مشهود للاردنيين عنوانه استئناف الحياة الديمقراطية واجراء انتخاباتها والغاء قانون الطواريء والاحكام العرفية، وقتها كنت حارسا امنيا على احدى مدارس مخيم اربد باعتباري جنديا اؤدي خدمة العلم، التي اضاعت من عمر الشباب الاردنيين سنتين بلا جدوى ؟! وقتها سارت الامور انتخابيا بالنزاهة والشفافية المطلوبة، وانتجت تيارات سياسية الاسلاميون الاكثر تنظيما فيها ، لكن بذات الوقت افرزت خيارات شعبية وتيارات سياسية واخرى وعشائرية ومستقلين، تباعدت بمفاصل والتقت باخرى ، لكن الجمع كان همه وفهمه للحياة النيابية انها صالح وطن ومواطنين ودولة .
حادثة اطاحة المجلس، بحكومة طانر المصري، التي ضمت اليمين واليسار والمستقلون والوطنيون ، كان تمثيلها تبعا لمخرجات الصناديق ، لكن تداعيات مؤتمر مدريد للسلام والمشاركة من عدمها اخرجت وزراء معارضين للمشاركة بطلبهم ، ورغم ذلك شاركنا ، وحين عادت الكرة لملعب النواب بدورة اعتيادية كانت المواجهة التي اطاحت بالحكومة، وهي وان لم تكن سابقة ، الا ان ظروفا داخلية ودولية افسحت المجال لاحقا للدخول على خط نزاهة وكرامة وشفافية الانتخابات .
من موقع الصحفي بعد الجندي المكلف ، شاركت في تغطية الانتخابات النيابية جميعها منذ العام 1993 ، ومن وقتها بدأ التراجع التكتيكي لامتصاص ظروف برلمان 89 ، والتوطئة للاستحواذ على الحياة البرلمانية والتدخل فيها ، عبر صفقات وتدخلات وتداخلات، ناهيك عن التعديل التشريعي الذي منح الناخب ” الصوت الواحد ” بدلا من التصويت بعدد مقاعد الدائرة ، لكن برلمان 93 كان مقبولا الى حد ما ، وان كانت تهم التزوير تلفه ، بدلالة الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن ، وهتف متظاهرون فيها ” يا سلامة يا حماد فليسقط كل … ” وهو الوزير الحالي الذي لا ندري لربما يكون مشرفا على انتخابات المجلس التاسع عشر ، فنحن في الاردن ؟!
ولا يمكن انكار ان مجلس 93 مخرجاته دللت ان التوزيعة كانت ملاءمة للبناء عليها للمجالس القادمة من نواحي التوزيع الجغرافي وابرام الصفقات ، وتحديد النسب للتيارات السياسية وحتى العشائرية بذريعة انها قادة في الشارع ، وهو الوهم الذي بدأ بالتلاشي امنيا ، في ظل الظروف التي عشناها معيشيا تدرجا ، ونشهدها راهنا ، وربما تتفاقم مستقبلا ، وهذه ليست نظرة تشاؤمية بقدر ما هي دعوة لظرورة الالتفات للحالة الوطنية وهموم المواطن الرئيسية .
نقفز ختاما عن المجالس السابقة حتى لا نخوض بتفاصيل ، تفقد ما نود طرحه قيمته ، او نذهب بكم لدرجة الملل ، لكن فحوى ما نود قوله ان الربط بين رئيس جهاز امني اعلن ذات مرة انه ( عيّن العشرات من النواب ) والانتقال تدرجا بحالات الالتفاف على الارادة الشعبية، عبر تشاريع وتعديلات قوانين، تخرج من القدر ما يريده الرسمي ” بالمغرفة ” دلالة اننا لم نسهم في اخراج اي مجلس نيابي بارادة شعبية بعد عام 1989 ولنا بالمال السياسي عبرة ، ولنا بالنزاع الدائر رحاه بين النواب انفسهم على تحسين مداخيلهم المادية عبرة اخرى ، تعطينا الحق ان نحرق الكاوتشوك تحت القبة .
الربط بين ما يجري راهنا وما اسلفناه، يشي انه من المعيب ان نستمر بتحميل انفسنا المسؤولية، وجلد الذات، وان النواب هم خيار شعبي ، فهم ابعد ما يكونوا عن الخيار الشعبي ، فلا تلوموا انفسكم على جرم لم تقترفوه ، ولغايات التذكير بدعابة واقعية اورد لكم ان ذات انتخابات ، عشرات المرشحين اتساقا مع حضورهم لفرز الصناديق، حصلوا على نتيجة صفر بالصندوق الذي اقترعوا فيه ؟!