كنانة نيوز –
كتب الزميل عدنان نصار
الأردن: حديث عن “المدين/ السجين”.. و”الدائن الحزين”.. وغياب المُبادرات؟
كم من الوقت يلزمنا ، حتى نفرغ المخبوء من حزننا العابر ..كم من الوقت ، يلزمنا لإستعادة ضحكاتنا المصادرة بحكم أوامر سادتنا..وكم من الوقت يلزمنا حتى نحكي للفرح المنتظر عن صبر الموجوعين .؟
أكثر من 158 ألف مطلوب للتنفيذ القضائي للمتعثرين ماليا في الأردن ، وهذا يعني أن أكثر من نصف مليون نسمة يعيشون القلق كل لحظة ، والتوتر والخوف كلما هم أحدهم بالمغادرة إلى جهة ما ، خشية من دوريات الشرطة التي تنفذ أوامر الأحكام القضائية ، وأكثر من نصف مليون نسمة يسترقون النظر ، ويعتمدوا “المسح الأمني الاستطلاعي” قبل أن يخرج ولي الأمر من بيته قاصدا العمل او شراء المستلزمات لاسرته ..ولا يتجرأ المتعثر ماليا (المطلوب) حتى من زيارة المستشفى إذا دعت حالته الصحية ذلك..حالة من الإستنفار تسيطر على نصف مليون شخص اردني ، و158 ألف أسرة اردنية ، ينام القلق تحت وسائدهم..حتى اطفال تلك الأسر نحتوا اصطلاحات جديدة من مثل “غيمت” لتحذير آبائهم من وجود الشرطة .!
الغريب في أمر الحكومة الأردنية الحالية أو ممن سبقوها ، وربما الحكومة المقبلة أيضا يدرسون هذا الملف ، أي ملف المتعثرين ماليا بنفس الطريقة ، وتتلمذت الحكومات على يد شيخ واحد ،دون حتى تقديم اجتهادات أو اجتراح الحلول لمثل هذه القضية الشائكة التي قلبت راحة آسر اردنية إلى تعب ، واستقرارهم إلى قلق ..فالاصل في الموضوع البحث عن حلول ترضي الدائن وتريح المدين ، والأصل في الموضوع ان تعيد الدولة إلى نصف مليون أسرة اردنية استقرارها المفقود ، عبر حلول يمكن اجتراحها أن خلصت النية لذلك ..فعلى سبيل المثال ثمة مقترح ومبادرة قدمها “حزب العمال الاردني” الاسبوع الفائت تساهم بشكل كبير في حل ملف المتعثرين بما يتفق مع المنظومة القانونية والإنسانية لهذا الملف ، مع الحفاظ على حقوق الدائنين وتخليص المدين من عبودية التهديد ، وعقوبة السجن للمتعثرين ماليا ، المرفوضة اصلا بالعرف الدولي والمواثيق الإنسانية وحقوقها.
ad
دولة الكويت سبقت الأردن ، في حل هذا الملف هناك عبر مبادرات مجتمعية ومساندة حكومية ونجحت بشكل يثير الإعجاب..وكذلك الأمر نجحت المملكة العربية السعودية في هذا الأمر عبر مبادرة مماثلة وأنهت ملف المتعثرين ماليا .
ما الذي يمنع الدولة الاردنية من تبني مبادرات خلاقة لحل مشكلة مستعصية ، ومن الذي يمنع .؟! لا أظن أن الإجابة مستعصية على احد ..وكل ما نحتاجه قرار من أعلى مستوى (الملك) والإيعاز للحكومة بتبني مبادرة خلاقة تحفظ حق الدائن وتعفي الدولة من نفقات(السجين /المدين) وخصوصا ان الأردن وعبر تصريحات رسمية أشارت الى ان كلفة السجين تقدر ب(750) دينار شهريا ،ناهيك عن تشرد ممن يعيلهم(المدين/السجين) ووفق الأرقام المقدرة ب (158) ألف مطلوب للقضاء ، عدا “المتعثرين الهاربين” إلى مصر وتركيا والمقدر عددهم ب (13) ألف مواطن اردني بلغت حجم ديونهم (43) مليون دينار .
المشكلة ليست عصية على الحل ، ولا تحتاج إلى “عصا سحرية” بقدر حاجتها إلى قرار لفتح هذا الملف “شعبيا ورسميا” ووضع النقاط على الحروف للخروج بصيغة تفاهمية وحلول ناجعة تعيد للدائن حقه ، وتعفي المدين من ملاحقته وتشريد أسرته.
هنا لا بد من تذكير الدولة ، ان المنتمين إلى ناد “المتعثرين ماليا” هم ليسوا “نصابين” وسجلاتهم الرسمية تشير الى ذلك ، وهم ليسوا من الناكرين لحق الآخر، بل معترفين بحقوقهم المالية ،غير أن “التعثر المالي” لأسباب عالمية وليست عربية أو محلية فحسب ادت إلى هذه النتيجة بسبب تردي أوضاع اقتصاديات السوق ، وما نتج عن هذا التردي من تفاقم لمشكلات اقتصادية سوقية اوصلت أصحاب المحلات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى هذا المستوى .
لا أعتقد أن الدولة الاردنية وعبر مبادرات “شعبية ومساندة رسمية” عاجزة عن الحل واعفاء نفسها من الحرج الدولي في حال ايداع المتعثرين ماليا السجون ، وكلفة ذلك على الدولة من جهة ، ومخالفة المواثيق الدولية من جهة أخرى والتي تنص على عدم سجن المدين لأي سبب من الأسباب .
لا ينقص الدولة صداع ، فلديها ما يكفيها من أوجاع ، ولديها فائض المشكلات من مثل :الفقر والبطالة والغارمات والخريجين من الجامعات ، والشباب الباحثين عن فرصة لاقتناص مستقبل افضل ..كل هذا يستدع القلق ، ويحتم علينا رسميا وشعبيا أن نبحث عن الحلول وعدم تأجيل الحل أو ترحيل ملف القضايا العالقة التي يمكن حلها .
لا بد من تفعيل مبادرة لحل اشكالية “المتعثرين ماليا” والامساك بها وتفعيلها بتوجيهات عليا ووضع هذا الملف بيد القضاء الاردني الذي يحظى بإحترام شعبي ، وليس بيد الحكومة التي تواجه نفور شعبي وعدم ثقة بادائها .
الحلول ممكنة ،اذا خلصت النية ، وريحنا الدولة من صداع ، وأوفينا “الدائن الحزين” حقه ، وحررنا “المدين / السجين ” من عبودية الوعيد وأسرته من التشرد والتهديد..علينا الا ننقاد “للرأسمالية المتوحشة” التي تعطش أبنائها ، لإحياء حرثها وسقاية زرعها.!!
كاتب وصحفي أردني