كنانة نيوز –
أوابدنا ومقدراتنا بين مطرقة النهب والتخريب وسندان الجهل
بقلم : فريال بني عيسى
أمكنة ورموز تذكارية وقيم حضارية ذات عمق زمني تطالها أيدي عبثية مخربة تعمل بمبدأ العشوائية تبتغي الثراء السريع لتحقيق مخملية العيش, هواة مغامرون رسموا أحلامهم بعالم من السراب, على حساب رقينا الحضاري وعمقنا التاريخي, أنهم خفافيش الليل, سرٌاق الحضارة, مشوية التاريخ, امتهنوا الاعتداء وتخريب التراث باحثين عن دفائن ذهبية لم تتعدى كونها خرافات وأساطير شعبية تنأى بعيدا عن الواقع, ضاربين بكل القوانين والأنظمة عرض الحائط معتقدين بأن هذا البحث والتعدي هو حق من حقوقهم, غير آبهين بالتشريعات ومتجاهلين لحقيقة مفادها أن هذا التراث هو ملك الأمة ولا يحق لأي فرد التصرف به, تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل.
لذلك لا بد من التصدي لهذه الفئة الخارجة على القانون, والتي تعدت المستوى الفردي لتصل إلى مستوى جماعات منظمة اقرب إلى العصابات يتم تمويلهم في أحيان كثيرة من قبل أصحاب رؤوس أموال ورجالات أعمال غير منتمين لهويتهم.
ومهما كانت الظروف المحركة لهذه الجماعات والدافعة لهم للقيام بمثل هذه الاعتداءات من ضيق في العيش الناتج عن أوضاع اقتصادية لا تلبي متطلباتهم الحياتية اليومية, وبعملهم هذا يجدون بأنهم أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من سعة العيش ورغدها, إلى جانب وجود مواقع الاعتداء في مناطق نائية بعيدة عن العين والمراقبة, ومع غياب الضمير ووازع الانتماء فتتكون لديهم إغراءات دافعة لمثل هذه السلوكيات غير المسئولة.
فأنني اعلق الشيء الكثير على ضعف الوعي لدى البعض حول أهمية تراثه, إذ نلحظ وبشكل جلي نظرة اللامبالاة الواضحة على المستوى الشعبي لما يحيط بنا من كنوز ثقافية وتراثية تشمل المواقع والمعالم البارزة الأثرية, إلى جانب قصور بالنظرة لضخامة وفخامة تلك المخلفات فنجد أن الأفكار المستقرة في عقل وفكر البعض حول هذه المقدرات أفكارا سطحية محدودة, انعكست في سلوكهم وطريقة تفكيرهم, وهنا لا استثني حتى تلك الفئة ذات الوعي الثقافي بنظرتها غير المنصفة لهذا الموروث تبلورت على أساس أنها مخلفات من الماضي ويجب أن تقتصر دراستها على الاكاديمين المختصين بهذا المضمار, ناسين أو متناسين بان الأردن هو البوتقة التي انصهرت وتفاعلت به ثقافات الحضارات والشعوب المختلفة منفردا بخصوصية واضحة رغم اشتراكه واندماجه في تراث الأمة, ووجوده بين أول وأقدم حضارتين عرفهما التاريخ, حضارة مابين النهرين بالعراق والنيل في مصر اكسبه الغنى التاريخي والموروث العريق والرقي الحضاري الذي افتقرت إليه كبريات الدول وأعظمها في تاريخنا المعاصر.
لذلك لابد من العمل على ربط المجتمع بتراثه وحضارته القديمة باعتبارها الرابط الأهم بين الحاضر والماضي, والحفاظ عليه للااجيال القادمة من خلال زيادة الإدراك لقيمة هذا التراث والتأكيد على التواصل بين ثقافة الأجداد والأحفاد, فهي المصدر الرئيسي للقيم الثقافية والتاريخية, إلى جانب كونها رافدا أساسيا من روافد الدخل القومي وموردا للفكر وعمقا للهوية وارثا اجتماعيا ورقيا حضاريا.
فالهوية القومية والوطنية والحضارية هي بمثابة الدرع الواقي من التلاشي والضياع, ولا يمكن لأي شعب أن يثبت نفسه في عالم اليوم بدون العودة إلى موروثة ومنه تكون الانطلاقة إلى المستقبل.
وبما أن الإنسان الأردني هو وحده القادر على مكافحة هذه الظاهرة ومعني بالقضاء عليها من خلال حسه الواعي وإدراكه العميق بقيمة تراثه ليصار إلى نشوء حس عالي من المسؤولية يحفظ من خلالها هذا الإرث العظيم, لذلك لا بد من مخاطبته من قبل كوادر مؤهلة قادرة على محاكاة أبناء المجتمع من مختلف الفئات العمرية والخلفيات الاجتماعية والثقافية, وبث الوعي الأثري لديهم من خلال إعداد برامج مدروسة وممنهجه يتخللها سلسلة من الأنشطة الثقافية التي تقدم وجبات مركزه في هذا المضمار, غير متجاهلين لفئة طلبة المدارس أصحاب التأثير الكبير في بيئاتهم ومجتمعاتهم من خلال إدراج مناهج دراسية تعنى بالوعي الأثري يرافقها تسيير رحلات منتظمة إلى تلك الموروثات العظيمة, هذا من جهة ومن جهة أخرى لا بد من التركيز على امن هذه المواقع وحمايتها بتفعيل دور القائمين على حراستها بصورة اكبر عن طريق عمل زيارات ميدانية بصورة متكررة للمواقع الأثرية خاصة البعيدة عن أعين الناس وإعداد تقارير دورية عن كل ما يستجد عليها من تحولات ورصد التغيرات التي تطرأ على الموقع من قبل من تسول له نفسه بالتعدي والتخريب.
أيضا لا بد من تفعيل وتعزيز دور الضبط القضائي وإنشاء ما يسمى بشرطة الآثار والعمل على إيجاد مندوب عن الآثار في منافذنا البرية والبحرية والجوية للحيلولة دون تهريب أي من مقدراتنا للخارج بطرق غير قانونية وهنا لابد من الإشارة إلى أن دائرة الآثار العامة قد حرصت على مكافحة هذه الظاهرة بطرق شتى كان على رأسها استحداث قانون يجرم كل من يقوم بإعمال تنقيب عن اللقى أو يتاجر أو يساعد أو يشارك بذلك دون الحصول على ترخيص مسبق من قبل الجهات المعنية.
إذ تنص المادة (26) من قانون الآثار لسنة 1988م والمعدل في العام 2002م على حبس كل من يخالف القانون مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة مالية لاتقل عن ثلاثة آلاف دينار.
ومع ذلك اعتقد بأننا بحاجة لإيجاد مزيدا من القوانين الضابطة والرادعة لمثل هذه الأفعال والتصرفات اللامسئولة, علنا نصل لبتر هذه الظاهرة من جذورها والقضاء عليها للوصول إلى مصافي الدول التي ترتجي التحضر من خلال انتمائها لماضيها واحترامها لثقافتها وتاريخها.