شجرة البقعاوية ..بين الإرث الزمني والعمق الروحي / بقلم فريال بني عيسى

كنانه نيوز –
شجرة البقعاوية ,,بين الإرث الزمني والعمق الروحي 

بقلم فريال بني عيسى

من تلك المساحات البعيدة, ومن بطون صحاري قديمة, واراضي قفراء, يستوقفك مايبعث لديك تساؤلات عجيبة, فتسبح الخالق على قدراته العظيمة, والاءه الجسيمة وقد تجلت بنسيج حياة على ارض جدباء كيف لا وهو القادر على كل شيء وهو الذي( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ), هنالك تستقبلك شجرة خضراء حيث لاخضرة سواها, هي شجرة البطم العتيقة والمعروفة بشجرة البقيعاوية لكونها تتوسط بلدة البقيعاوية الواقعة الى الشمال الشرقي من الاردن بين الازرق والصفاوي مبتعدة عن العاصمة عمان 150كم وعن مدينة المفرق 90كم, لتكون هذه الشجره واحدة من معالم البقيعاوية الطبيعية وقد حلقت بفضاء الماضي البعيد والتي تنتمي الى فصيلة البطم الاطلسي المذكر غير المثمر .

والتي تبهرك بمنظرها وهي ذات الساق المتجدل الذي يؤرخ لسنينها البعيدة التي تجاوزت (1450) سنة بحسب المختصين بهذا المجال, فهي التي تناديك لتتفيئ ظلالها من قيظ صيف حار وقد امتد لمسافة (50م), اما قطر جذعها فقد وصل الى (90سم) ومحيطة (283سم) وترتفع لتصل (11م) , وقد نمت بظروف مناخية صحراوية قاسية تقل نسبة مياه الامطار فيها عن (150ملم) سنويا, مما يترتب عليه فقرا بالغطاء النباتي الذي اقتصر على بعض الانواع مثل الشيح والقيصوم والشنان, وبسيادة المناخ الجاف ووسط ظهور مشاكل رئيسية في التربة مثل تزايد الاملاح وتراجع الغطاء النباتي بشكل متسارع وامام كل هذه الظروف نتسأل كيف نمت هذه الشجرة .

بأرض جرداء لا تملك مقومات الحياة, تأقلمت مع العطش في ايام قيظ الصيف لتتقاسم بصيص الماء مع اشجار الصحراء وشوكها وذلك على الرغم من وجود بعض الوديان والغدران التي لا تفي باسباب الحياة مثل وادي الجحيش الذي يصب في قاع البقيعاوية ووادي علي القادم من الاراضي السورية هذا بالاضافة الى وجود غدير ماء غرب الشجرة يحتفظ بالمياه لفترة طويلة تتجاوز الاربعة اشهر بعد نزول المطر, وشجرة البقيعاوية شجرة البطم الاطلسي ( PISTACIA ATGANTICA) من الفصيلة البطمية (ANACARDIACEAE), اوراقها متساقطة مركبة ريشية تضم (3-4) ازواج من الوريقات ووريقة نهائية, والوريقات كاملة الحواف طول الواحدة منها (2-5سم) وعرضها (1 سم) ازهارها عنقودية كثيرة التفرع احادي الجنس و ثنائي المسكن, وثمارها حسلية مفردة النواة حجمها بقدر حبة البازلاء لونها اصفر محمر قبل النضج ثم مزرقة سوداء بعد النضج, الا ان مكان انتشار هذه النوعية من الاشجار يكون في المناطق الممتده من جزر الكناري وحتى الشرق الاوسط مما يميز هذه النوع من الشجر انه بطيء النمو, ويحتاج الى حماية لفترة طويلة بعد تشجيره ويستفاد من اوراقه كعلف للمواشي, ومن ثماره تستخرج مادة زيتية مفيدة غذائيا وصناعيا, كما يمكن استخدامة كأصل لتطعيم الفستق الحلبي ومن اهم ميزات هذه الشجرة ايضا انها موغلة في القدم ولها عمر زمني يؤهلها لتكون واحدة من شواهد الاردن التاريخية بالاضافة الى فوائدها التي نجنيها من ثمرها وورقها فهي التي تنتج مادة الصمغ وتستخرج منها علكة البطم المعروفة على المستوى الشعبي.

و للشجرة قصة اخرى اتخذت بعدا دينيا فاسترسلت بنفوسنا واستغرقت في ارواحنا وذلك بحسب ما تناقلته بعض الروايات التي اشارت الى ان رسول البشرية وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم كان قد تفيئ بظلالها لمرتين واحدة وهو في سن العاشره والثانية وهو في الخامسة والعشرين من عمره الشريف, اثناء مرافقته للقوافل التجارية القادمة من الجزيرة العربية باتجاه الشام , حيث لاحظ في المرة الاولى الراهب بحيرى بأن هناك سحابة تظلل صبيا وشجرة انحنت وضمت اغصانها ليستفيئ بها فأخبر بأنه هو النبي الذي بشر به الكتاب, وما ان تحدث اليه وكشف عن ظهره الشريف ورأى خاتم النبوة حتى ايقن بانه النبي المرتجى, كما ان سيد الخلق وبحسب بعض المصادركان قد استظل بهذه الشجره اثناء تجارته للسيدة خديجة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وهو في الخامسه والعشرين من عمره الشريف وكان برفقته غلام اسمه ميسره فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب يدعى نستور فسأل الراهب ميسره من هذا الرجل الذي نزل تحت الشجره فقال ميسره هذا رجل من قريش فقال الراهب مانزل تحت هذه الشجرة قط الا نبي.

وقد اتخذت هذه الشجرة مكانا وملجئا لتحقيق الاحلام وذلك عندما ارتبطت قيمتها لدى بعض ابناء المنطقة بخلفيات عقائدية اقرب الى الاسطوره لتكون هي الوعاء الاشمل الذي يستوعب امانيهم, لتظهر كمصدر قوه مسير ومنظم لبعض الظواهر, فهاهي ترتبط بالخصب والجفاف تاره وتسيير حياتهم الاجتماعية تارة اخرى فأمتزج الدين بالحلم والخيال لتبرير متطلباتهم الحياتية.
وهنا لابد ان نشير بان منطقة البقيعاوية وبحسب ما ذكره الدكتور عبدالقادر الحصان في كتابه (محافظة المفرق ومحيطها عبر رحلة العصور) كان قد اشار الي ما كشفت عنه التنقيبات الاثرية بأن المنطقه قد شهدت استيطانا بشريا منذ العصور الحجرية الحديثة وحتى البرونزية والحديدية مرورا بالفترات النبطية والرومانية والبيزنطية وانتهاءا بالعربية والاسلامية وذلك لوقوعها على طريق القوافل المتجهه الى بصرى الشام ولكونها تتوسط الحدود (السورية-السعودية-العراقية), مما يدلل على حيوية المنطقة منذ عصور قديمة.

أذن ؛ نحن امام معلم طبيعي يشكل احد نقاط الجذب على المستوى السياحي والبيئي والديني, ويضعنا امام ايجاد خطط واستراتيجات للحفاظ عليها, غير متجاهلين لبعض المشاريع التي نفذت من قبل القائمين عليها وذلك من خلال تنفيذ اعمال الصيانة والادامة, ووضع اللوحات الارشادية التي تبين اسمها العلمي والعربي وعمرها الزمني, كما عملت الجهات المعنية على انشاء حفيرة تتسع لخمسين الف مترا مكعبا من المياه على مقربه من الشجره لضمان استمرارية تزويدها بالمياه وقد وضعت على خارطة السياحة الدينية, كما تضمنت معلومات تفصيلية حول اهمية الشجرة حتى يدرك الاخرون قيمتها لضمان عدم التعرض لها بالاذى من قبل العابثين وحفاظا على استمراريتها, لكن الاجراءات المتخذه بخصوص هذه الشجره لاتفي بالغرض ولا تعطي الشجره قيمتها الحقيقية فهي الشجرة الوحيدة من هذا النوع التي تحتضنها الصحراء بالاضافة الى فرادتها فهي واحده من بين (500) شجره معمره في الاردن ان لم تكن اقدمهم على الاطلاق, لذلك لابد من تشديد اجراءات حمايتها للحيلولة دون اصابتها بسوء من قبل البشر من قبيل القطع او الحرق اوالرعي الجائر والزحف العمراني ولا بد من متابعة عمليات التاقليم والري ومكافحة الامراض والترويج لها والتعريف بها انطلاقا من هذه النقاط. من قبل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة حيث أن الإعلام تجاهل هذه المعلم الهام , واعداد منشورات سياحية وصور وبروشورات يرافقها خارطة توضيحية تكون بمثابة دليل للزائر والباحث والمهتم على حد سواء, فتجد أن الغالبية العظمى من سكان الأردن لم يسمع بها , فما بالك بالسائح العربي والأجنبي.ايضا لابد من ايجاد قوانين رادعه مع تفعيل وتعزيز ودعم وتطبيق القوانين الموجوده اصلا والتي لا يتم العمل بها وكان من هذه القوانين ما صدرمؤخرا عن رئاسة الوزراء من قرار يقضي بضرورة وقف ازالة الاشجار الحرجية التي يتجاوز عمرها المئة عام لاي سبب كان. لذلك يجب ان يتصدر الشأن البيئي اولويات السياسات الحكومية لدينا لما لها من أهمية بالغة جراء ماتتعرض له البيئة من دمار اكبر واخطر من أن تظل في مرتبة القضايا المؤجلة, وفي نفس السياق وعلى الصعيد البيئي يذكر بأن الاردن استضاف في العام 2006م (2000) شخصية من مسئولين وعلماء وخبراء ورجال اعمال معنيين بحماية البيئة من (140) دولة في العالم مما يدلل على الاهمية التي يوليها الاردن للمحافظة على البيئة, كما أن الاردن كان من الدول المشاركة في المؤتمر العالمي للحفاظ على البيئة الذي عقد في ريودي جانيرو في البرازيل, وفي ذات السياق فقد أعلن عن مشروع التوثيق الوطني لعمر الاشجار الحرجية المعمرة في مناطق الشوبك ووادي البطم ومندح وبرقش والتي يزيد عمرها عن ال 500 عام والذي يعتبر الاول من نوعه في الاردن في هذا المجال.

ويذكر ان مساحة الغابات في الاردن تقارب (760 الف دونم) بحسب الاحصائيات الرسمية اي مانسبته (0,9%) فقط من مجمل مساحة المملكة منها (4%) غابات طبيعية و (5%) صناعية تنتشر من وادي اليرموك شمالا حتى وادي موسى ومرتفعات الشراه جنوبا, اذ احتلت غابات السنديان (2000) دونم و (43) الف دونم غابات الملول و (77) الف دونم غابات العرعر و(11) الف دونم غابات الصنوبر و(30) الف دونم غابات مختلفة واربعة الاف دونم غابات الزيتون البري بالاضافة الى غابات الطلح والسدر, علما أن نسبة الاراضي التي يمكن تحريجها في المملكة تبلغ مانسبتة (13,4) من مساحة المملكة .

هذا , وقد بدأت مساحة الغابات بالانحسار بفعل عمليات الابادة الجماعية من حرق وتحطيب وتوسع عمراني ، لذلك لابد من اتخاذ الاجراءات المناسبة لحماية المساحات الخضراء خاصة اذا علمنا أهميتها في احداث التوازن البيئي بالأضافة الى أهميتها الجمالية والبيئية والطبيعية الخلابة, اضف الى ذلك فأنها تحمي موارد الانتاج وتحفظ التربة من الانجراف وتزيد مخزون المياه الجوفية وتقلل الترسبات في السدود والخزانات وتحسن نوعية المياه الجوفية, وتحفظ قدرة الاراضي الانتاجية, وتقلل من حدوث الفيضانات وتقلل من شدتها وتعدل درجات الحراره وتؤثر ايجابيا على المناخ, كما وتزود الماشية بما مقداره (30 ) الف طن من المواد العلفية وزن جاف سنويا.

بالاضافة الى انتاجها للعديد من المنتجات الثانوية كمواد الدباغة والصمغ والالياف والمواد الصناعية والمستحضرات الطبية والمواد ذات الاستعمالات المنزلية والزراعية, ولا ننسى ايضا ان نذكر ان تربية النحل في الاردن تعتمد على الغابات بشكل رئيسي والاعشاب البرية, علما بأن انتاج الاردن من العسل سنويا من (70 – 160) طنا, كما أن هناك العديد من الحرف اليدوية التي تعتمد على منتجات الاشجار والشجيرات لتكون محرك هام لعجلة الاقتصاد في البلد, غير متجاهلين لعدد العاملين في مجال الحراج الذين تجاوز عددهم ( 10 ) الاف عامل وحارس مما يقودنا في النهاية ان الثروة الحرجية تشكل مصدر هام من مصادر الدخل القومي مما يتحتم علينا وقبل كل شيء دراسة الواقع بدقة وتفسيره بما يضمن القدرة على إعداد خطط مرحلية قادرة على التطوير والتغيير نحو الأفضل لتكون بمثابة الخطوة الأولى لحل أي مشكلة تواجه القائمين على المشروع, وبهذا نكون أدركنا أول حقيقة متعلقة بالثروة الحرجية عند إعداد خطط تنميتها وتطويرها.