49
كُوّة الأمل
هبــة عبابنة
بدأت الأنوار تنطفئ…والرماد احتل الجوف، والقلب مُنهك والعقل مُستنزَف..يَدايَ ترتجف وقدمايَ تتأرجحان بين واقع ووهم، وظلام يَعُمُّ الأُفق وسواد يُغشي البصر، لم يكن هذا حلمنا، جار علينا الزمن فبددنا…لا طفولة لهوْنا..ولا يرعان نبتْنا.. ولا شباب نهضْنا، أيام توالت برفَّة عين، عين مليئة بغبار التراب..رفَّةٌ موجِعَة .. لم يكن كافياً أن تنهمر الدموع منها، امتدت سهامها.. قطرت قطرةً تلو الأخرى، تغلغلت في جفنها…انهمرت على وجنتها…واستقرت في مهجتها، بات الألم حليفها.. والوخز رفيقها.. والغبار أنيسها وونيسها، كانت جميلة.. ملامحها ملائكيّة وكأن العسل يَصُبّ في عينيها والورد يُزهر على خديّها، كانت ابتسامتها يافعة تسُرُّ الناظرين إليها.
قُلِّبَت الأيام صفحةً صفحة من الكتاب اللعين، جَرحت أوراقه أصابعها… نظرت باستغراب… أليس من المفروض أن أنزف دَماً؟؟ سارعت إلى مرآتها المكسورة…رأت في أحد الأنصاف عيناً محبورة، وثغراً باسماً وجسداً شديداً… والنصف الآخر فيه عيناً مكروبة، وثغراً عابساً وجسداً رعدياًْ، عَلِمَت أنها نصفٌ حيٌّ ونصفٌ جثّة، حبال الوصل بينهما لا تنقطع، من هنا عَلِمَت سرّ الرماديّ في حياتها.. خليطٌ من الأبيض والأسود.
لكنها قوية يا صاح!! روت البياض بقدرٍ كان كافٍ ليفوح الأريجُ من جوفها، روت قلبها قطرةً قطرة، كانت مُهمة صعبة، الأرض بليدة والبذرة جافّة، سقتها بالحب…فَكَبُرَت، الآن… ظنت أن مهمتها انتهت ولكنها لم تعلم أن بعض الظن إثم!! لقد عملتُ بكبدٍ وتعب أين زهرتي؟ زهرَتُك انقصف عنقها يا عزيزتي من أحد العابرين فَذَبُلَت، انتظر قليلاً.. لم أذبل هذه مجرد ورقة واحدة وسقطت، أوراقي لا تنفذ… لذلك أَعِد ابتسامتك الحاقدة إلى ثغرك أيها الدنيس.. تحرك من أمامي وابتعد عن طريقي، لَدَيّ جذور أوطِدُها، عندي مصابيح لأنيرها، وسواد لأمحيه، وقلب متعطش للحياة وعقلٌ أتَدَبَّر فيه… عندي جروحٌ على أصابعي عليها أن تلتئم ويزول أثرها، وقدماي أصبحتا لا تعرف للتراجع سبيلاً ،والظلام والظلم معركةٌ أبديّة… ولكنني أنتصر دوماً، أُغرُب عنّي دائماً وأبداً لِتَحُلَّ عليك لعنة السماء، سأُزهِر.