رؤى انثى على مسرح الحياة …. للقاصة المصرية سعاد سليمان

كنانة نيوز – محمد محسن عبيدات

رؤى انثى على مسرح الحياة في المجموعة القصصية شال احمر يحمل خطيئة للقاصة المصرية سعاد سليمان بقلم : سامر المعاني – الاردن

سعاد سليمان الأديبة المصرية الحاصلة على جائزة متحف الكلمة – للقصة القصرية جدًا على مستوى العالم والتي اصدرت اربع مؤلفات بين الرواية والقصة القصيرة تتحفنا بإصدارها الجديد (شال احمر يحمل خطيئة) بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا في مجموعة متكاملة متناسقة بفلسفة ابداعية وحياكة محترفة مذهلة في سطور ربما لا تتجاوز الصفحة الواحدة في جل المجموعة , تعانق وتطرق كل ابواب اغلقها السرد قبل الوصف في فضاء البوح والمشهد الواقعي الإنساني والحسي تكتب حديث الروح للروح وتناجي عميق الآهات المحتضرة خطر الافصاح تارة وتارة اخرى من حماقاتنا حين نعرف الحقيقة التي ربما لا نستطيع روايتها الا انها حلم يراودنا كل مساء لسنا قادرين على منعه من الحاحه بالزج في ذاكرتنا وسباتنا .

يقتنص المبدع في كتابة العمل السردي باستهلالية وخاتمة لعمله الادبي من بين الحتمية في الحالة واتساع اشرعة الخيال في غموض الحالة ببعد لغوي و فلسفي يجعل من القارئ والمتلقي على شراكة في احتضان النص كي يخرج بشكله التام حسب ثقافته وادراكه , كلما كان انضج كلما سكنه النص ليغوص معه بحار خياله ومقاصده الساكنة بالأسرار وما اكثرها حين تكون احلام تسردها القاصة سعاد سليمان.

يرتقي عنوان المجموعة والعناوين الداخلية للقصص بين الرمزية والاشارات المتقاربة والمتباعدة على انه ثمة محور رئيس في المجموعة لكنه في الحقيقة هو الواقع الذي اختزلته حتى استفاق الصمت الكامن في كل اسفارها حتى في خياناتها ليتفجر من رحم الانين والآهات في انثى حبيسة بين حروف السرد تغتال كل الاشلاء وتلملم قضاياها وحماقاتها وعيوبها وسحرها وشيطنتها لتبنيه مزارا يعبر عن كل من اضاعت في سهوها ان تدون قصتها في مساء التمني تعانقه قبيل ان تتوسد فراشها وقبلاته في الكرى كاسرة الارق لتغفو على ولادة مجهولة الابوين.

((( من قصة عين زجاجية لرجل وسيم — وعين تتدفق رغبة وتشع بهجة، وأخرى منكسرة لا تشي إلا بالفراغ، فكيف جمع بينهما ذو الوجه الوسيم على هذه الكيفية من التناقض؟.)))

اللغة الجميلة تناقلت عند القاصة سعاد لتوظيف الحالة الوصفية في السرد حيث استخدمت بعض التعابير الاكثر شيوعا في اللغة دون تكليف ورمزية حتى تضفي جمالا في تماسك النص الذي اجادت في اقتصاده وابدعت في تكوينه دون حلقات مفرغة مشبعة نصها بالوصف الدقيق لتتجاوز مرحلة الافصاح المبكر وتجعل من سردها صراع يدور حول هول البراكين التي ستخرج من فوهة التناقضات والكشف عن اعماق الحالة المختزلة والمكبوتة تلزمك وتغويك لتكمل ذلك المصير الى اين او تلك الحالة الى اين ستمضي في هذا الفضاء الشاسع في ذهن الاديبة التي تؤكد بانها ذات مخزون فكري وعاطفي وفلسفي بالغ البصيرة والقدرة على اقتناص الحالات الشعورية والعاطفية في كل متغيراتها وجوانبها وحيثياتها وسلبياتها وضعفها وقوتها كأنثى مدركة رغباتها ومفاصل المؤثرات في حياتها بكشف الواقع بكل شفافية حتى تكون في بعض قصصها ليست فقط انثى الحياة والحلم بل خرجت من تلك العباءة لتتقنص بكل حرفية ذاك الاخر وهو الرجل حيث ما كان هو وما كان عليه كيف وهي تجعل حتى الاحلام تغوص في وهم لم يجيد نقل مشهده وفي اشارة الى عمق مضامين المجموعة اهداء القاصة سعاد مجموعتها الى ابطالها الذين منحوها متعة نسج حكاياتهم وفيها ما فيها من احداث.

((( يكمل ضحكة الاسى التي لا يجيد غيرها )))

للجملة والمفردة الاستهلالية في الولوج بالنص كان منها ما يشير على شهادة الذاكرة لوقوع الحدث في كلمة او كلمتين ومنها ما اتصلت بتناص بليغ الاقتناص للحالة وجملة اعتراضية واستفهامية مختزلة تفتح شهية لمعرفة وتتبع الاحداث التي تحملنا بين متناقضات ومفارقات غير متوقعة احيانا ومدهشة حد الصدمة في كثير من الاحيان فالكاتب الرصين عليه ان يجيد بناء العبارة والمفردة التي تنقله بين الاحداث وتجعل من مشهده متجانسا ومتماسكا كما هي القاصة سعاد كيف لا وهي تتجسد الاصوات والحركات وتوظف المفردة الوصفية من اسماء مفترسة و زواحف وطيور ونباتات كي تفصح عن ردة الفعل لتلك الحالة الاستثنائية المثيرة وهي حال امرأة التناقض تعيش كل امزجة الفقدان والرغبة والوقار والشيطنة والعفاف والخيانة والطهر والنجاسة مما ينقل المشهد القصصي في تصوراته الكبرى الى الحياة والموت والاكتفاء والحاجة والواقع والحلم فكانت العصافير وحدها التي لم تفزعها في قصة لغو العصافير لكنها كانت جل كوابيسها كلها مفزعة فحتى الأم راودها الفجور والغانيات كاننّ باذخات الافراط بالشهوات يراها الرجال حسناء وتراها الانثى منقوصة الانسانية.

(((قصة لغو العصافير — وحدها العصافير لم أكن أفزع منها، كما باقي الكائنات الحية من طيور وحيوانات، زواحف، قوراض، حتى بعض بني الإنسان، وحدها العصافير كنت أصادقها)))

ربما في تلقي بعض الصور في المشهد الوصفي عند القاصة سعاد يثير الاسئلة والدهشة في صعقة المشهد بين المفردة الصريحة والحالة المثيرة لكنها بواقع الامر وكما اشرنا اليه ما جعل يثبت ان الكابوس الذي زج اليها لم يخف معالم الرغبة ووجوه الحقيقة في ( موكب – وليمة للثعابين – كفوف ملتصقة – عين زجاجية لرجل وسيم ) فان القاص المتقمص لأبطاله اكثر مطالبة لكشف اسرار الحالة فقد اجتازت القاصة المبدعة قضبان التردد والتذليل الطوعي عند القاصين الذين يكتفون بحالات الاثارة والحبكة بالاكتفاء بحضور النتيجة والنهايات الملزمة لتلك الحالة مما ميز هذا العمل السردي ان يسيطر بقبضته على كل وجوه الانفعالات والحركات الناتجة عن المشهد القصصي بوضوح وتتبع دقيق فثمة افصاح مسجونة قيد الحلم لكنها كانت في مكان بعيد حقيقة واجابتها عليها حين تبدأ وتقول في مجموعة كبيرة من القصص ( وراها – وأرانا – ورأيتني – ورأيتها – وأرى – ورأيتنا …) مما يشار ايضا الى ذلك اقتناصها الدور بحرفية واستخدامها التشبيهات الضمنية والتمثيلية والنعت وغيرها …

((( من قصة شمعة صفراء وحيدة – متى ترسخ في ذهنها طقس الشموع البيضاء الطويلة؟، الغليظة جدًّا، المغلفة بأشرطة الزينة من الساتان والدانتيل الأبيض؟، ولماذا يشعلونها ليلة الزفاف؟، رغم وجود أضواء الكهرباء المبهرة التي تضيع معها رومانسية الشموع.)))

شال احمر يحمل خطيئة : يحمل المشهد القصصي من غير تأويل للواقع السياسي والديني العام مع بعض الاشارات الخاصة في بعض المشاهد القصصية التي تنقل النفاق والنقيض بين السلوك والرغبة وبين الوسيلة والغاية وكيف يحول المشهد على النقيضين من البداية الى النهاية وفي العكس ايضا . كما ان بعض المفردات استخدمت على لسان البيئة الحاضنة لذلك المشهد القصصي .

((( كم لبثنا في هذا الكهف من الكراهية ؟ )))

الجانب الانساني والحياتي يثيرك بدهشة الوجع والفرح معا فهي الانثى الثائرة لأنوثتها لهذا المجتمع الذكوري كما تناولت العنوسة والفقر والجانب الاسري بتناقض اطواره كما في قصص ( دورق اخضر فارغ – بيت الولد – طعام الفقراء -..)

((( من قصة كرامة المحبة – تهت يابا أكلت الشمس اللاهبة رأسي، وعصتني قدماي، تسمّرت من الوجع، لم يبق إلا الشوق إليك حتى لو كنت في قبر من الحجارة، دلني إلى طريقك، أعرف أنك لست وليًّا، فقط أنت القاسي طيلة الوقت، الحنون عند الوجع.)))

((( بيقين كجبل ان خلفة الذكور هي امان )))

القاصة المصرية سعاد سليمان قاصة استطاعت في مجموعتها القصصية (شال احمر يحمل خطيئة) ان تحمل مادة دسمة شكلتها بمضمون واخراج اختص بها وقد بنت لها طريق مرصوف بإتقان وخاصية لمجموعة اسرة في تقارب نمطي وموضوعي غير مزدحم بالتنقلات والملامح مما يؤثر على ذوق القارئ بين اختلالات التنوع بتناول كل قصة لها جانب ابعد من بعيد لما قبله وبعده تاركا للقارئ العربي ان يغوص في هذا الحقل الابداعي لقاصة جريئة تحمل في ايقونتها حالة ابداعية متفردة.

-الكاتب سامر المعاني رئيس منتدى الجياد الثقافي – الاردن