لأن الخيارات تضيق/ جمانه غنيمات

في الوقت الذي ما يزال البعض يحلم كذبا بوحدة عربية، وأجندة واحدة تخدم الشعوب، تتصاعد الرسائل بأن سنوات الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من التمزيق والتقسيم، وأن التضاد عنوان السنوات المقبلة.

سورية اليوم على مفترق طرق بين حرب بالوكالة ستستمر لحين اتفاق المتحاربين على توزيع مناطق النفوذ، ومصيرها بين حرب أهلية وتقسيم يسبقه تغيير ديمغرافي، يوصلنا في النهاية إلى سورية جديدة لم نعرفها قبلا.

العراق من حرب على الإرهاب وداعش تكاد تنتهي، لكن ذلك لن يحمل معه استقرارا للعراق الذي سيواجه تكريسا للتقسيم القائم، وضياعا لموارد العراق، ما يبقيه وأهله تحت معاناة الظروف الصعبة وتقطيع البلد بين الدولة الوطنية التي باتت حلما وبين نفوذ إيراني لا يبدو له نهاية.

عنوان السنوات المقبلة التي نقرأ خلاصتها من قمة ترامب السعودية هي حرب على إيران ستبقي المنطقة في استقطاب طائفي، وتقسيم مريض، يرفع بند الإنفاق في المنطقة على الآلة العسكرية، في محاولة لكسب المعركة، فيما تضيع الشعوب وآمالها بحياة أفضل.

محصلة المشهد العربي؛ حروب بالوكالة، وأخرى داخلية يغيب معها الأفق والأمل بمستقبل مستقر، ما يبقي التنمية وكل مشتقاتها معطلة إلى حين. والقصد أن المعطيات لا تشي بأن أحوال الإقليم ستستقيم خلال السنوات المقبلة، ولا تكتم سرا أن التنمية وتحقيق طموحات الشعوب ستؤجَل إلى حين ميسرة، فكل التطورات الإقليمية تؤكد أن التنمية ليست ضمن الأولويات في الأجندة الإقليمية.

أردنيا، تبدو الخيارات أكثر ضيقا، فالحديث في وسائل الإعلام الأميركية عن تقليص المنح والمساعدات للمملكة مستمر، رغم نفي جهات دبلوماسية ومحلية لتلك التوجهات، مع الإشارة إلى أن أميركا هي البلد الأعلى دعما ماليا للأردن، تليها أوروبا بعد توقف المنح العربية، رغم أن عبور الأردن للأزمة لا يحتاج أكثر من مليار دينار سنويا.

وتضيق الفرص في حصول الأردن على دعم في ظل اختلاف الأجندات الأردنية عن تلك العربية، رغم تشابكها وارتباطها الوثيق في بعض الملفات مع الجانب الأميركي مثل الحرب على الإرهاب، إذ حدد الملك أولويات الأردن والمنطقة بثلاثة معطيات رئيسية هي القدس والقضية الفلسطينية وعملية السلام والحرب على إرهاب داعش وأخواتها.

هذا الوضع يأتي مع أزمة مالية خانقة تعاني منها المالية العامة، نتيجة ارتفاع الإنفاق لأسباب محلية وأخرى ترتبط بفاتورة تغطية تكاليف اللاجئين السوريين التي لا يغطي المجتمع الدولي إلا جزءا يسيرا منها، وكذلك ارتفاع فاتورة الإنفاق العسكري بسبب الحالة الأمنية الخارجية والتهديدات القادمة من الحدود الشمالية والشرقية.

يتزامن ذلك مع حالة معيشية صعبة نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وما تخلفه من مزاج سيئ في فترة صعبة يخضع فيها الأردن لبرنامج إصلاح مالي يطبقه بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي الذي ينتظر قرارات إصلاحية قاسية، من وجهة نظره، وتشكل ضربة قاسية أيضا للطبقة الوسطى وأصحاب المداخيل الثابتة.

كل ما سبق يتم في ظل قراءات تقول إن معدلات النمو المتوقعة لن تكفي لتحقيق أهداف الخطط الرسمية، خصوصا ما يتعلق بتحسين مستويات عيش الأردنيين، الذي يعني أن السنة الحالية والسنوات المقبلة ستكون أكثر قسوة مما سبقها وبكل المقاييس، خصوصا أن الآمال تتضاءل بالحصول على استثمارات عربية وخارجية ترفد هذا النمو وتقويه، إذ باتت وجهة تلك الاستثمارات واضحة باتجاه الغرب وليس الشرق.

هنا يجدر البحث عن مخرج يساعد في التخفيف من حدة الأزمة التي يبدو أن الحلفاء لا يدركون حجمها، ما يستدعي ربما تحوّلا في البوصلة بحيث توجّه لمسارات تخدم الأردن في أزمته الحالية التي يبدو أنها ستطول. والسؤال المركزي: ما الفرص والقدرات التي نملكها لتحويل المسارات؟