يوميات سالم 29 / أكرم الزعبي

يوميات سالم 29

أكرم الزعبي

الحلقة الأخيرة من الجزء الأول.
أنا أكرم الزعبي كاتب يوميات سالم، أعرف أنه لن يصدقني أحد منكم، وأعرف أنّ الكثير منكم ينتظر حلقة اليوم ليعرف ماذا سيفعل سالم في الحلقة الأخيرة من الجزء الأول، بعضكم يتوقع سالم ومشتريات العيد، و بعضكم ينتظر سالم ليرى ماذا سيفعل يوم العيد وهل سيعايد اخواته ام سيبقى نائماً (ليسْلَمْ) من العيديات، لكن ما فعله سالم معي أنا لم يخطر يوماً ببالي.
بالأمس كانت لي معاملة في إحدى الدوائر الحكومية فانتظرت دوري ولمّا وصلني الدور وقفت أمام الموظف المعني وقلت :
– يعطيك العافية.
الموظف المشغول بالأوراق التي أمامه قال من دون أن ينظر إلي :
– الله يعافيك، تفضل.
– بدّي أختم هالمعاملة لو سمحت.
تناول الموظف الأوراق (أيضاً من دون أن ينظر إلي) وبدأ يُقلّبها، وعندما رأى اسمي على الأوراق تغيّرت ملامح وجهه وأعاد لي الأوراق وقال :
– أستاذ الختم خربان،ارجع بعد العيد.
– المعاملة مستعجلة ومهمة.
– أستاذ حكيتلك الختم خربان، قالها بعصبية.
– يا زلمة كيف خربان، توّك ختمت فيه.
– يعني انا كذّاب؟!
– لا إله إلا الله.
– ألف مرّة، أستاذ بعد العيد يعني بعد العيد، حضرتك من أول يوم برمضان اتّهمتني إنّي بروح للصلاة وقراءة القرآن وبترك المراجعين ينتظروا وما بمشّي المعاملات، انت عارف من وراك شو صارلي؟
– انتا سالم؟!
– آه سالم يا استاذ، ومديري بالصدفة قرأ يومياتك، وثاني يوم طَسْني إنذار، روح، روح أستاذ الله يرضى عليك، الدنيا وقفات والواحد مش ناقصه هم جديد، وعلى فكرة!!، إذا بدك ترجع تكتب عني اكتب، بطّلت تفرق.
تركت سالم وأنا أقول في نفسي (شو هالعَلْقة اللي علقتها يا أكرم).
مشيتُ بسيارتي ثمّ توقفت أمام إحدى الملاحم لشراء لحمة كنت أنوي أن أدعو أهلي إليها، نزلتُ من السيارة ودخلتُ الملحمة.
– السلام عليكم، قلت
– وعليكم السلام، قال اللحام بلهجة جافّة.
(هذا الثاني ماله بحكي معي هيك) قلتُ في نفسي ثم قلت له :
– معلم بدّي نص خروف روماني لو سمحت.
– ما عندي.
– وهذا اللي بالثلاجة؟!
– مبيوع أستاذ.
– ولو!! عشر خرفان مبيوعات؟!
– يا زلمة بدّيش ابيعك، حُر انا، أخو مَرَاقي انت.
– يا زلمة من وين بتعرفني إنت؟!
– من وين بعرفك؟! من البلدية يا محترم.
– لا إله إلا الله، شكلك مشبّه على واحد غيري، انا لا بشتغل بالبلدية ولا بعرف حد فيها.
– آه بس عندك أصدقاء ع الفيس بشتغلوا بالبلدية وقرأوا يوميات سالم عندك امبارح واليوم عملوا كبسة علي، وخالفوني بخمسمية ليرة.
– انتاااا سالم؟!
– سالم ونص وخمسه، تقلب وجهك ولّا اعملك اياه خارطة الأردن بهالسكين؟! قال سالم اللحام بغضب شديد، فاختصرتُ الحديث وخرجت لأنّ الجدّية كانت واضحةً عليه.
ركبتُ سيارتي وحاولتُ تشغيلها لكنها لم تشتغل (أعوذ بالله من هالنهار اللي مش فايت، انا شو اللي عملته يا ربي تا يصير معي هيك) قلت في نفسي وانا أحاول تشغيل السيارة، لكن حال السيارة كان يقول (الك رب والي رب ما بشتغل)، نزلت منها ومشيتُ قليلاً وأنا اراقب الشارع لعلّي احظى بتكسي فلم أجد، وأثناء سيري رأيت لافتة مكتوب عليها (كراج الأمانة للسيارات)، حمدتُ الله على ذلك ودخلتُ الكراج.
قبل أن ألقي التحية سمعتُ صوتاً يقول :
– شيكس خذ الدينمو تاع سيارة خلدون واعطيه لابوبكر وجيب منّه خمسه واربعين دينار.
كان ذلك صوت سالم الميكانيكي، فخرجتُ مسرعاً وأنا أقول في نفسي (ربّك ستر اللي ما شافك يا أكرم، هذا عقله خُزُق وعليم الله لو شافك ليتناولك بالشاكوش اللي قدّامه).
في طريق العودة إلى السيارة رأيتُ تاكسي قادماً من بعيد فأشّرتُ له، ولمّا اقترب منّي فتح شباك السيارة وقال :
– صدّق لو عرفتك من بعيد كان دعستك، أنا شغل تزبيط بنات ها!!، تا اشوف مين بدّه يوصلك.
– وحد الله يا زلمة، انا ما بعرفك.
– بس انا بعرفك، انت اللي كتبت عنّي بيوميات سالم وخلّيت كل العالم اتآجر فيي.
– هو انتا كمان سالم؟!
– آه يا حبيبي سالم، ولّا مش عاجبك؟!
– لا على راسي.
– فكّرت!!
قال سالم ثم داس على البنزين فانطلقت سيارته بسرعة كبيرة تاركةً خلفها دخان العجلات التي كادت تحترق.
وقفتُ في الشارع مصاباً بالذهول وبدأتُ بلوم نفسي (شو اللي عملته يا أكرم، إنت مالك ومال سالم، أي هو انت مفكّر حالك بدّك اتصلّح الدنيا، تفضل شوف شو عمل فيك سالم، يومك كلّه طبّل من ورا سالم، يقطع سالم والساعة اللي فكّرت تكتب فيها عن سالم).
أثناء حديثي مع نفسي توقفت إلى جانبي سيارة وطلب مني سائقها الذي يبدو أنه خمسيني أن أركب، لكّنني تردّدت، فليس من عادتي أن أركب مع غريب، لكن سائق السيارة قال :
– اطلع استاذ أكرم اطلع، ما تخاف.
– حضرتك بتعرفني؟!
– عز المعرفة، توكل على الله واطلع.
مظهر السائق وعمره وصوته يوحيان بالأمان، وبسبب الحال واليأس الذي كنت فيها فقد ركبتُ معه، وبادرته بالقول :
– يبدو إنك بتعرفني، أنا بحاول اتذكّرك لكن الـ بي تولف عامل عمايله فيي.
الخمسيني يضحك بصوتٍ عالٍ ويقول :
– ولو يا أستاااااذ، ثمانيه وعشرين يوم بتكتب عنّي، ما خلّيت عليي ثياب الستر ومش متذكّرني!! معقوووول!!.
في تلك اللحظة تسرّب الخوف إليّ، وأيقنتُ أنّ سالم سينتقم منّي، فحاولتُ التملّص منه وقلت :
– حقّك علي يا سالم، أنا ما كنت بقصد الإساءة.
عاد سالم للضحك بصوتٍ أعلى وقال :
– لا تخاف يا سالم، قصدي يا أكرم، ثم عاد للضحك.
كان خوفي يزداد، فسالم يبدو أنه قرر الانتقام، لكنّ سالم عاد للحديث :
– أنا بشكرك يا استاذ على يوميات سالم، صحيح إنك فضحتني لكن سيرتي صارت على كل لسان، وصاروا الناس يعرفوني، بتعرف يا استاذ، مشكلتك مع الموظف واللحام وسايق التكسي إنك ما عرّفتهم بحالك.
– يا رجل هم عرفوني بدون ما احكي.
يعود السائق للضحك.
– لخمتني، ع شو بتضحك.
قبل شوي لمّا قلتلك لا تخاف يا سالم قصدي يا أكرم فكّرتني خربطت، صح!!
– آه، صح.
– بس انا ما خربطت وكنت قاصد، انت سالم بطريقة أو بأخرى بنفس مقدار ما كان المتقاعد وسايق التكسي واللحام وغيرهم سالم.
– لا أنا أكرم.
– يا أستاذ انت داريت الموظف واستسلمت وتركت المعاملة لبعد العيد، انت هون سالم، وخفت من اللحام وما قدرت تحكيله اللي كتبته عنه ف انت هون سالم، حتى الميكانيكي ما استرجيت تشوفه وفليّت منه وما قلتله إنه اللي بعمله حرام وعيب وانت هون أسوأ من سالم لأنك شفت الغلط وما عملت شي.
كان كلامه ينزل عليّ مثل السكاكين الحادة فانعقد لساني ولم استطع الرد، وحين وصلنا باب البيت قلت له :
– تفضّل، فوت.
– مشان ترجع تكتب عن سالم الضيف الثقيل؟!.
– أعوذ بالله.
– شفت كيف إنك بوجهين مثلي ومثل كل اللي كتبت عنهم؟! سلام ياااا……….. سالم.
قال ذلك، ثم مضى في حال سبيله.
#مش_بعدين_مع_سالم
#بعدين_معي