أمنيات بائسة/ يوسف غيشان

أمنيات بائسة/ يوسف غيشان

مؤلم وخطير، ان نصل لمرحلة تكون النزعة الإقليمية التصارعية مرحلة متقدمة لم نصل اليها بعد..مؤلم وخطير ان نصل القرن الحادي والعشرين ونحن نعيش في مرحلة اقرب الى المشاعية الأولى في علاقاتنا الإجتماعية.
أتمنى من كل قلبي ان نكون اقليميين، كما نتهم؛ لأننا نكون قد احرقنا مراحل ومراحل في طريق التقدم لم نصل اليها بعد؛ لأننا بكل بساطة ما نزال عشائريين _ فلسطينيين واردنيين وجميع مكونات المجتمع الأردني الدينية والعرقية والمناطقية. ولاءاتنا العشائرية والمناطقية اكثر بكثير من ولاءاتنا الأقليمية او الوطنية، وحتى القومية، لدرجة اني اعتقد ان رفيقنا العتيق لينين، لو قام من قفصه الزجاجي واستقرأ حالنا لأدرك كم كان مخطئا في محاولة فرض الصراع الطبقي على عشائر ومناطق تخفيها غيمة واحدة.
لاحظوا ان اشتباكاتنا الدائمة المتجددة هي ذات طابع عشائري..تكتلاتنا الجامعية هي ايضا عشائرية ومناطقية على الأكثر. تعييناتنا عشائرية … سعادة الوزير يعين نفسه مديرا عاما لديوان الخدمة المدنية ويحوله الى ديوان العشيرة، بعد تحويل الاسم الأكبر للعشيرة، في جواز السفر،الى أسماء الحمايل الأصغر، لتمرير «العشرنة».
اعتقد بأن الانتماء للوطن الذي يعلوه الولاء للعشيرة، وأن تحكيم العشيرة في شؤون الوطن هو اغتيال للوطن وللعشيرة معا، وعودة بالتاريخ إلى الخلف ودفن جميع منجزات المجتمع المدني التي ضحى الأردنيون من أجلها الكثير.
عليكم وعلينا جميعا ان نرفض الانصياع لبنية عشائرية قادرة على التحكم بصيغة العلاقات الاجتماعية والسياسية في مجتمعنا الفتي، من خلال صياغتها لسلوكيات تلزم أفرادها الإقرار بها والتمسك بها وتغليب مصالح العشيرة على مصالح الوطن الأكبر.
التعصب للعشيرة وتغليب مصلحتها على مصلحة الوطن هو انغلاق على الذات ونكوص متسارع نحو الحالة البدائية الأولى، إذ سوف يتبعه التعصب للحمولة ثم للعائلة ثم للأسرة ثم للذات، التي نغلقها دون الآخرين جميعا، وهذه قمة التوحد المرضي والتمركز حول الذات والأنانية والانفصال عن الواقع والحياة.
نحن لسنا ضد العشائرية، لكننا ضد تحكم العشيرة ببنايننا الوطني وصرحنا الديمقراطي.والتعامل مع الناس على أساس عشائري فقط، هو تزييف مفضوح لمقاصد الحاضر والمستقبل معا.
للأسف فقد غيبت ثقافة العشيرة لدينا ميزة التثقيف الحقوقي بما لنا وعلينا داخل الوطن، وصرنا نعتمد على العشيرة من اجل نيل الحقوق أو سرقة حقوق الآخرين من أبناء الوطن.
إذا كنا نريد وطنا أكثر عدلا وجمالا وحيوية وتقدما وإنسانية، فعلينا ان نبنيه على مبدأ تكافؤ الفرص ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وإحلال الأفضل مكان الأكثر قربا بالعشيرة أو الدين أو الإقليم.