كنانة نيوز –
انفصام الشخصية الاجتماعية: من الفضاء الرقمي إلى الواقع المعاش
ولــــــيد علي الجراح
—————————-
تسود في المجتمع الأردني ظاهرة لافتة تتجلى في انفصال الشخصية بين الأفراد في الأماكن الخاصة مثل مواقع التواصل الاجتماعي والمجالس الخاصة، والأماكن العامة كالطرقات والمولات. هذه الظاهرة تعكس تناقضاً بارزاً في سلوك الأفراد، حيث يظهرون سلوكيات عالية الأخلاق ذات طابع ديني في الأماكن التي يمكنهم فيها الانفراد بشخصيتهم، بينما يتبدى سلوك مخالف تماماً عند تعرضهم لضغوطات الحياة اليومية أو تواجدهم في الأماكن العامة.
تتمثل القصة في تباين حاد بين ما يظهره الأفراد من قيم وسلوكيات في الفضاء الرقمي والمجالس الخاصة وبين تصرفاتهم في الأماكن العامة. فعلى منصات التواصل الاجتماعي، يتمتع الكثيرون بفرصة عرض صورهم المثالية وسلوكياتهم المتسقة مع القيم الاجتماعية والدينية السائدة، مما يعكس جانباً من الأخلاق الرفيعة والتزاماً ظاهرياً. ولكن عندما يتواجد هؤلاء الأفراد في الأماكن العامة، حيث يصبحون أقل قدرة على السيطرة على انطباعات الآخرين، يتبدى سلوكهم بوضوح مختلف، وقد يتنافى أحياناً مع ما كانوا يظهرونه سابقاً.
تثير هذه الظاهرة تساؤلات عميقة حول أسباب هذا التناقض. قد يكون السبب في بعض الأحيان هو الفرق بين الشعور بالراحة في بيئة مألوفة حيث يمكن للفرد أن يظهر الجانب الأفضل من شخصيته، وبين مواجهة ضغوطات الحياة اليومية التي قد تدفع البعض لتصرفات لا تعكس حقيقته بشكل كامل. كما قد يلعب العامل النفسي دوراً مهماً، حيث يشعر الفرد بالحاجة إلى التكيف مع متطلبات وبيئة الأماكن العامة، مما يؤدي إلى تغيير سلوكه.
تقتضي معالجة هذه الظاهرة فهم أعمق لمسألة الانفصام بين الحياة الرقمية والحياة الواقعية. يجب على الأفراد أن يسعوا لتحقيق التوازن بين ما يظهرونه في الفضاء الرقمي وما يمارسونه في الحياة اليومية. يتطلب ذلك تعزيز القيم الشخصية والالتزام بها بصدق، بعيداً عن الظهور الاجتماعي المؤقت. من المهم أيضاً تعزيز الوعي الاجتماعي حول التأثيرات السلبية للتناقض بين السلوكيات، والعمل على بناء مجتمع يتسم بالصدق والتكامل في كافة مجالات الحياة.
في الختام، إن معالجة ظاهرة انفصام الشخصية الاجتماعية تتطلب مجهوداً جماعياً لتحفيز الأفراد على تحقيق الاتساق بين سلوكياتهم في كل من الفضاء الرقمي والأماكن العامة. من خلال ذلك، يمكن بناء مجتمع أكثر مصداقية وأصالة، يعكس القيم الإنسانية والدينية بشكل حقيقي ومتكامل.