قصة قصيرة بعنوان (من مشارق غ,زة إلى مغاربها) الطالب يامن محمد العودات

كنانة نيوز –

من مشارق غزة إلى مغاربها/ الطالب يامن محمد العودات

مدرسة المنارة الثانوية للبنين/أشراف الأستاذ بارق حمادنة

في ساحة لا يرى منها شيئًا وفي مكان لا يعلم من هو فيه حتى ، كان الدم يهطل بغزارة ورائحة المسك تفوح بكل مكان : على قمم الجبال البيضاء ، والصخور الملساء ، وشاطئ البحر اللازوردي القريب ، وجذوع الأشجار ، وسعف النخيل الأخضر ، وحطام البيوت ، وأعشاش الطيور .

زمرة من البشر كانت تركض في تلاشٍ ، أصوات أرجلهم العارية وهي تقدح الأرض فوق الحطام تتناغم مع دقات صدرهم المتلاحقة .

كان يمشي ويدلف إلى درب لا يعلم ما هو البتة ويمشي ويتدعثر بين أكوام من الحديد على الأرض يسفلها بشر يملأ فمهم التراب ولا يستطيعون النطق سوى بالهمهمة ، هو زائرٌ زار بلادَ فلسطين في موكبٍ عظيمٍ ، ولد من رحم الركام كتحفةُ رجولةٍ نادرةٌ ، يشبهُ الليث في القساوة ، وَالأمّ في الحنانِ ، وَالحكماء في العقولِ . تَكوينُه لافتٌ للنّظرِ وَطيّب كَرذاذ المطرِ ، ضِحكَتُه تجعلُ العاصي يتوبُ ، وَالمسافر من الأراضي البعيدةِ يعودُ ، وَالملحد يُسلمُ وَيردّد لا إله إلّا الله إلى اليومِ الموعودِ .

في الس,ابع من أكت,وبر ، كان يقف ويحمل في يده المذياع ، كانَتْ ليلةً باردةً وَملامحه فيها شاحبة وَالوردة التي يحملها بِيَده متعبة .

لم يعهد انقطاعًا للصوت إلا من ضعف الإشارة ، ولكن اليوم كان انقطاع الصوت من صاروخ ضُرب كبداية لحرب لا يُعلم منها نهاية .

وَمع أنّ ( الإحتلال ) لم يقدر على كسرِه حتّى في اللّغةِ العربيّةِ ، إلّا أنّها كانَتْ كسرة شديدة صنعت منه وائلًا جديدًا ، فإنّ الاعتياد يجعل الأمور تافهة لِدرجة تجعلك تُعدمُ حتّى الموت وأنت تبتسمُ .

ولكل عدو طريقته التي يضع بها أوزاره على من يريد ، فقتلت قوات ( الإحتلال ) أبناءه وزوجته وأقاربه حتى حمل روحهم الطاهرة على أكتافه والملائكة من خلفه يحملونه كريشة طائرة .

ضاق طعم الويل بلسانه ورآه بعينه وحمله في يديه ، ولكن لما كل هذا ؟ هذا هو حب الوطن ، هذا هو عشق تراب الأرض الذي أراد أن يصنع منه عطورا .

كابد من أجل أرضه ومن أجل غزة دون مقابل ، هذا هو رمز العطاء وهذا هو معنى الفخر . فما شيء يستحق أن تهب أبناءك له إلا أرضك . فها هو ذا بات يخشى السّهر ، فَشعوره شعور سفينة خشبية محطّمة على الشّاطئ ، لم تعد قادرة على الإبحار ولا العودة لتكون شجرة . أضحى يواري الحزن اليوم بتلكَ الذكريات الّتي غطّاها غبار النّسيان ، يتلهّف لذاكَ الصّبح الهادئ ، لتلكَ القلوب الصّافية ، لذاكَ الزّمن الجّميل ، يشتاق لنفسه قبل أن يعيش ما عاشه ، قبل أن تتبعثر روحه في غفلةٍ منّه ، فلا يمسكُ بيده غير ذاكَ الرّماد الذي تركتْه نيران الخيبات على التّوالي . غدا الألم وَالبلسم لِـروحه : فتارة يلقي السّلام بوجه يوحي بأنّ إعصارًا قادم ، وَتارة أخرى ابتسامته تسابق تحيّته كبشرى لسعادة تغمر قلبه ، لكن في كلتا الحالتين هو حزين . فَهو أقسم أن ينسى ما حدث وَها هو يطعم عشرة مساكين .

لا يتوفر وصف.