الحلقة السابعة والثامنة من رواية شارع ايدون : اضاءات من الذاكرةً/ الدكتور محمد حيدر محيلان

كنانة نيوز –

من رواية شارع ايدون : اضاءات من الذاكرةً
الدكتور :محمد حيدر محيلان
الحلقة السابعة
1975-1987
اذا إدعيّت بانني ابن شارع ايدون … فلا اظلم الحارات التي ولدت بها او ترعرعت بعض سني عمري بها … وان كانت قصيرة .. لقد عشت في هذه المنطقة الممتدة من محلنا امام سينما الجميل لجامعة اليرموك جنوبا ومن محلنا لسوق الحَبْ شمالاً ، ما بعد شارع الهاشمي والشارع المتفرع منه من زاوية حلويات وعصائر الشنيك ومن جانبه بائع الجملة محمود الشرقطلي (سمانة ومواد اغذية وسكاكر) لنهاية الشارع مرورا بسوق البخارية على اليمين ومحلات البالة على اليسار وامتدادا لنهاية الشارع بمحلات الحبوب ولذلك سمي بسوق الحَبْ .. وامتداد شارع الهاشمي من الشرق والغرب مرورا بسرفيس شارع البارحة ومنطقة (خان حدو ) جنوب الشارع وطلعة دار النابلسي( ومدرستي حسن كامل الصباح في المرحلة الثانوية) شمالا ..
ثم من جهة غرب دوار وصفي التل فامتداد شارع فلسطين وحتى وادي الغفر الذي يفصل قريتي سوم والوصفية عن اربد وطالما قطعنا الوادي قادمين لاربد للمدارس والمحل مشيا على الاقدام حيث كنا نسكن في المنطقة المقابلة لمنطقة البارحة وشارع فلسطين من الغرب من اراضي سوم والوصفية .. او بعد الدوام في المحل ليلاً ،.. حيث لا سيارات ولا باصات تتواجد بعد منتصف الليل اذا قررنا عدم المبيت في المحل… كان جميع اصحاب الباصات والسيارات من القرى المجاورة لاربد ففي مجمع الغور الذي يقع على شارع فلسطين محل البركة القديمة والذي تصطف به حافلات وناقلات وسيارات القرى الغربية والاغوار الشمالية وكانت غالباً عند الغروب 🌆 تكون اخر نقلة او رحلة ويُقْفِر المجمع ويهوي على عروشه الا بعض سيارات خاصة او باصات نقل ايضا خاصة تقف امامه لمن يريد ان يركب نقل خاص باجرة مرتفعة .. وكان معظم التجار القرويين وابناء الفلاحين ايضا لا يتاخرون في شراء حاجياتهم من المدينة لما بعد غياب الشمس .. اذكر كثيرا انني اكون احد ركاب الرحلة الاخيرة في باصات سوم او زحر او دوقرا او ججين او كفررحتا وكلها تمر من خلال مثلث سوم زحر حيث كنا نسكن في قرية الوصفية وهي من بنات سوم وهي قرية صغيرة اسسها والدي صادق محيلان، لجذب خدمات البنية التحتية التي كانت تفتقدها المنطقة، حيث تبعد عن تنظيم قرية سوم وزحر مسافات بعيدة .. وعندما عاد ابي ليقطن ارضه ويسكن بجوار اقاربه عشيرة المراشدة كانت المنطقة بدون ماء ولا كهرباء ولا شوارع ولا هواتف ☎️ ايام الهاتف السلكي ، ولا مدارس، منطقة قفراء، فسعى وجاهد وكافح لتنظيم وتأسيس كيان محلي، يخدم ابناء عشيرته وجوارهم وكان ان صدرت الارادة الملكية بتاسيس قرية الوصفية في عام 1976 وقد كان والدي اقترح التسمية نسبة وتخليدا لصديقه ورفيق دراسته( الشهيد وصفي التل) يرحمه الله..
وقد جلب اليها والدي رحمه الله الخدمات كلها ماء وكهرباء وبريد وهواتف ومدارس واذكر انني كنت من الدفعة الاولى التي درَسَت في مدارس الوصفية .. حيث كان لقلة عدد الطلاب ان تجمعنا كلنا من الصف الاول الى الصف الخامس في صف واحد (غرفة واحدة) حيث طلاب الصف الاول (اول مَقْعَدَيّنْ )والصف الثاني بجانبهم والصف الثالث بالخلف والصف الرابع خلفهم وكان بالصف الرابع احمد صادق محيلان وعلي سليمان المراشدة ومهيب معابرة ، وباسل محمد عيسى مراشدة ، وفي الصف الخامس انا محمد حيدر ، ومنصور محمد عيسى مراشدة، ومحمد هزايمة، وجبر هزايمة، وكان الصف الخامس خلف الخلف.. من جهة الحيط وكان اخوتي احمد بالرابع وحسين بالثاني وابناء عمومتنا وبعض طلاب من عشيرة المعابرة ومن الهزايمة من قرية زحر الاقرب سكناً على المدرسة.. وكنا نساعد الاستاذ شفيق الهزايمة انذاك على تدريس الصفوف الاول والثاني والثالث …
وكنا نصنع الشاي للمعلم الوحيد ومدير المدرسة هو نفسه ونشرب معاه … وبعد الظهر تقريباً يصل دورنا ابناء الخامس للدراسة… ثم بعدها انتقلت لمدرسة الفارابي بعد طول رجاء لوالدي 🔬 وكان رأي أبي ان ابقى لكي نُثَبِتْ المدرسة فلا تلغيها وزارة التربية لنقص عدد الطلاب… ولكنني اصريت فنقلتي لاربد والحقني بالمحل …ولكن (المدرسة الوصفية الابتدائية) استمرت وتزايد عدد طلابها والصفوف وما تزال قائمة … وقد كانت تلك المرحلة من عمري بداية ممارسة التجارة.. حيث كانت امي رحمها الله تصنع لي صينية حلاوة (كريّزة) بالالوان احمر واصفر واخضر وابيعها بالمدرسة… واثناء الحصة حيث يكون الاستاذ شفيق الهزايمة مشغولا بالصفوف الاولى كانت الصفوف الاخيرة تاكل حلاوة… ولما احس المعلم بالسوق الخلفي للصف غضب وقال:
-من اليوم صينية الحلاوة توضع خارج الصف!!!
– وين استاذ بدي احطها!!؟؟؟
– ما دخلني ما في بيع بالصف .. ممكن اسمحلك تبيع بالفرصة.
– اخذت الصينية وخرجت افتش عن مكان آمن اودعها فيه .. لحين الفرصة فلم اجد !! ثم عدت للمعلم وقلت لا يوجد مكان استاذ …
– دبر حالك وبسرعة ارجع للصف!!
– انتبهت للشباك نفس غرفة الصف من الخارج يوجد مسافة تحت الشبك فوضعتها فيه .. وانا غير مطمئن لتركها وحيدة وانا مكرها وصادعاً لامر الاستاذ….. ولكن انا طفل فوقفت امامها لحظات مترددا .. ثم ودعتها بحرقة .. وطول فترة الحصص ما قبل الفرصة عقلي معها .. كان قراراً حازماً من الاستاذ وأنا صَدَعتُ للامر ..
– بعد قليل قام احد الطلاب (منير ) *****
– مستأذِناً المعلم
– استاذ بدي اذهب للحمام…
– انا !!! يا حبيبي شو بدو يمنع (منير ) ما يحلي بعد الحمام!!؟؟
– انا : استاذ اسمح لي اروح للحمام !!؟
– المعلم . لا لما يرجع منير ..
– انا : يا خوفي طارت الصينية…
– … انا حدست بان منير طلع للصينية ما راح للحمام.. بس كيف بدي اضبط الامور .. لا حول ولا قوة الا بالله..
– دخل منير واثار الجريمة (الحلاوة) حول فمه وعلى يديه…
– منيرررررررررر اكلت حلاوة من الصينية!!؟؟؟
– منير : لا والله ما شفتها… مريت من جنبها..
– انا : الله يوخذك شو هذا الاحمر على ثمك وايدك
– منير : يتعلثم… هاي مش حلاوة 🧁 🧁 ومش من صينيتك …
– المعلم الكل يجلس مكانه بدون صوت خلص انتهى
– استاذ …منير (جاب خبر ) الصينية بدي اطلع اشوفها
– الاستاذ : لا عند الفرصة…..
– للحظة حسيت الاستاذ متآمر مع منير او حاب ينتقم مني .. لولا اني اعرف الاستاذ شفيق اسمى من هيك واجَّل مقام..
– رن جرس الفرصة .. ركضت نحو الصينية لم اجدها.. ذهبت باتجاه الحمام واذ صينيتي ملقاة على الارض.. والحلاوة متناثرة حولها .. وان منير أكل و عاث فساداً بالحلاوة …
– الله يسامحك يا منير … طب كُل واترك الباقي عدت مع الصينية بغضب وعصبية .. منير منير !!!!
– احد الطلاب : منير هرب الى بيتهم .. نظرت واذا منير يركض .. مسرعا الى بيته ….
(منير ) ***** اسم وهمي غير حقيقي
الحلقة الثامنة
في اليوم الثاني لمصرع صينية الحلاوة (الكريزة) على يد التلميذ الغاشم .. احضرت الصينية ونيتي ان اعطيه قطعة من الحلاوة ، اصلاً انا عتبت عليه لو انتظر لاعطيته مثل كل يوم حصته ورزقه المعلوم …ولكن لا ادري كيف تغلب شيطانه عليه وسوغ وزين له التخريب … نظرت في الصف فلم اجده سألت اقرباءه التلاميذ فقالوا لم ياتي اليوم فاخبرتهم اني سامحته وقلت لهم ابلغوه اني غير 😠 😡 غاضب منه..واني احبه واحترمه …غير انه لم يعد للمدرسة…..ثم ارسلت لاهله انني احبه وعادي ما في مشكله واريده ان ياتي ونحن اصدقاء …ولم يعد…
وبعد سنوات سمعت انه توفي وحزنت كثيراً عليه وما زلت اترحم عليه كلما خطرت ببالي القصة… وفاتني ان اذكر ان التلميذ كان (يعرج)ذوي احتياجات خاصة… ولا حرج عليه فيما يفعل بقصد او غير قصد وكان طفلاً …… وكلنا اطفال …يرحم الله من مات ويمتع الاحياء بالعافية …
كنا في المحل انا واخوتي نتاخر لساعات بعد العشاء لانها كانت كما ذكرت تخلو المجمعات من الباصات والسيارات.. فاحياناً كنا نذهب مشياً من خلال شارع فلسطين ونقطع وادي الغفر وهو ما يفصل اربد من الغرب عن قريتي سوم والوصفية وقرى غرب اربد، وكان الشارع الوحيد الذي يوصل اربد بما غربها من الاغوار الشمالية والقرى الاخرى … وطالما طالب الاهالي من قرى غرب اربد وبالذات والدي رحمه الله ، الذي لم يدخر جهدا في الذهاب لعمان واغلاق محله التجاري لمراجعة وزارة الاشغال ، والمطالبة بوضع جسر فوق وادي الغفر، فتصبح الطريق لاربد بالسيارة من سوم والوصفية (دقيقتين) الا ان جميع المطالبات باءت بالتأجيل والتسويف ، حتى بعد سنين تم فتح ( طريق الستين )من جهة الحسبة الواقعة غرب اربد …
واكتفت وزارة الاشغال بها…وقبل سنوات تم جسر الوادي من جهة فوعرا وشمال البارحة بجسر عال يبلغ ارتفاعه حوالي (اثنان وسبعون متر بطول 240 متر ) ويعتبر أعلى جسر في الاردن والشرق الاوسط، ولا أضن انه يخدم المنطقة، كما لو انه كان متصل بشارع فلسطين …. كنا نقطع وادي الغفر صعودا للوصول الى شارع فلسطين من منزلنا الكائن في قرية الوصفية اراضي سوم المقابلة لحي(الطوال وابان )من اراضي البارحة ولم تكن الباصات والسيارات انذاك كثيرة فاذا وقفنا ننتظر الباص وفاتنا موعد مروره، على (مثلث سوم زحر) كان يفوتنا موعد الحصة الاولى، فكان الذهاب مشياً ، لاربد اسرع من الانتظار ساعات للركوب حتى يعود الباص من اربد ويمر بسوم وحاراتها ويرجع لنا على الوصفية واحياناً كثيرة كان يعود ممتلئاً .. مما نظطر معه ان نركب وقوفاً او لا نركب ، فإن حافنا الحظ فنضطر اند نركب نزولا مع الباص الى سوم ونلف في حاراتها ثم نعود لاربد ، لذلك كان اجتياز الوادي مشياً ، صيفاً اسرع للوصول للمدرسة في البارحة من انتظار الباص …
كنا وقتها في الصفوف الابتدائية انا في الصف الرابع في مدرسة محمد بن قاسم الثقفي في البارحة التي تقع بجانب بريد البارحة وفوق مدرسة سعد بن ابي وقاص واخي احمد في الصف الثالث في حين اخي تحسين كان في مدرسة سعد … ومدرسة الثقفي هي ذاتها التي عوقبت بها في الصف الثالث بفلقة على قفاي حين لم احفظ سورة من القرآن … وكان هناك ديدن وسلوك متطرف عند الطلاب لغاية الان لم افهم سببه اننا عندما يقرع جرس 🛎️ 🔔 الفرصة، كان كل صفين متقابلين يسحب طلابها الزنانير (الاحزمة) من البناطيل، ونهجم على بعض في حرب حامية الوطيس، ضرب بالاحزمة وشلاليت ،، وأسرْ طلاب من الصف المقابل ،، حتى تنتهي الفرصة ويقرع الجرس فنعود لمقاعدنا متهالكين…لا ادري لماذا ولأي سبب !! ؟
اذكر فقط الصفوف الثاني والثالث والرابع، اما الصف الاول فيقف يراقب …وعندما يصبحون في الصف الثاني تنتقل لهم العدوى، وتبدأ حرب الصفوف (البسوس) بدون سبب سوى العدوانية ولا ادري من أين اتت لهم هذه العدوانية !؟ في حين الصفوف الخامس والسادس وهم موافع صفوفهم فوق، امام مكتب الادارة وغرفة المعلمين.. لا حرب لديهم وانما يخرجون للفرصة ويشترون من الباعة الواقفين على الشارع خارج المدرسة بانتظام وسكينة…. او من ام الزعرور( حاجة مسنة ممتلئة البدن تلبس الثوب الفلسطيني وتضع حول خصرها الحزام المطرز وهو الزي الفلسطيني لمنطقة معينة لا اذكرها ) وهي تعتاش على بيع الزعرور.. حيث كان كثير ممن لجأوا للاردن من اخوتنا الفلسطينيين بعد حرب فلسطين والهجرة الاولى والثانية 1948و1967 يمارسون مهن وتجارة متنوعة .. وقد اثرى اكثرهم واصبحوا من كبار التجار في اربد والاردن .. فكانت تلك العجوز تحضر صباحا وتجلس في ساحة المدرسة الترابية وامامها( لَقِنْ) او طشت كبير نحاس ممتليء بالزعرور وتصيح :زعرور زعرور وكنا نشتري منها بتعريفة فتعطينا ملء كاسة ☕️ 🫖 شاي …
وفي احد الايام رن جرس الفرصة وبدأنا نلعب في الساحة ونركض خلف بعض فاذا احد التلاميذ وهو يفر من زميله اللاحق به يتفاجأ بأم الزعرور امامه ولم يسعفه الوقت لينحرف فانكفأ فوقها وحط جالسا في الطشت مهشما رأسها ومسويه مع الزعرور… فاخذت تضربه وتسب وتدعي عليه …في حين بدا الاخرون يجمعون لها الزعرور ويتذوقونه
….وكانت ساحة المدرسة غير مسوية ومنحدرة شيئاً ما…وفيها قلاع ناتئة ومن وقع من الطلاب لا يقوم سليماً …في احد ايام حرب الصفوف كان الاستاذ المناوب اسمه 😎 استاذ سعادة استاذ مهيب وشخصيته قوية ، فلما أقبل علينا هربنا للداخل فنظر من الشباك فوقعت عينه علي فقال:
– محيلان ….وقف عريف عالصف
– انا وقفت عريف.. بس شو الصف 👹 👺 😈 عفاريت
– فعاد مرة اخرى وكان الصف يتجالد بالزنانير .. ربما تعويض عن فترة التوقف التي فرضت علينا مع الصف المقابل( ثالث ب )فانشغل الصف بنفسه مجالدة زنانير وصراخ وصراع غير مبرر …
– المعلم سعادة: محيلان!!! وين اسماء المشاغبين!؟
– أنا: استاذ كل الصف مشاغبين ..
– فبدأ الاستاذ بي اول واحد عصايتين على ايدي ،، واكمل على جميع الصف عصي على الايدي…. وما ان خرج الاستاذ من الصف حتى عاد الصف مشتبكاً بالزنانير …. ولغاية الان لا ادري سبب العراك او مصدر العدوانية!! وبقيت الحرب حتى انتقلت من المدرسة ،، وبعد عشرات السنين سألت احد الدارسين في مدرسة الثقفي فقال ما زلنا نتحارب في الفرصة بالزنانير ولا ندري لماذا….😂🤣🤣🤣🤣🤣
الى اللقاء في الحلقة التاسعة