إعادة للحلقة الأولى والثانية / شارع ايدون – إضاءات من الذاكرة/ للدكتور محمد حيدر محيلان

كنانة نيوز –
من روايتي : شارع ايدون: اضاءات من الذاكرةة
الدكتور محمد حيدر محيلان
1975-1987
الحلقة الاولى
اخذ احد الطلاب يمشي على اربع متسللاً في ممر المشاة الفاصل بين المقاعد يتوارى عن اعين استاذ اللغة العربية الذي كان جالساً مستغرقاً في قراءة الدرس لنا في زاوية الصف الامامية .. احسست بحركة بجانبي ويدٌ تمتد نحوي بقرش احمر نظرت فاذا المتسلل على اربعيهِ يود ان يشتري مني علكة وقد دسست باكيت العلكة في الدرج كيلا يراه المعلم … ناولته العلكة واخذت القرش … وقد احمر وجهي وانقبضت روحي وتسمرت ناظرا نحو المعلم مبدياً اهتماماً زائفاً احاول ان اخفف من جراءة المشتري المستهتر وارتباك البائع المبتدىء..
محيلان … صاح المعلم : اقرأ الدرس .. كاد ان يتوقف قلبي وانْخَبَطَتْ دمائي لثوانٍ ضننت معها ان المعلم  ابو كف كمشنا… ابو كف اسم عائلته وليس صفته.. وهو من الاساتذة الرائعين وخطاط ايضاً..
نعم استاذ .. حاضر… وبدأت : بلال كفاك في الدنيا عذابا فهذا الموت يقترب اقترابا .. امية سيدٌ لك من قديمٍ فطاوعه تنل منه الرغابا ….
استاذ استاذ : احد الطلاب يقاطعني ويقتحم الموقف استاذ : محيلان بلحن وبغني هذه القصيدة…
المعلم ؛ صحيح محيلان !!
انا : نعم استاذ ..
وبدأت ..
بلااال كفاااك في الدنيا عذاااابا وهذا الموت يقترب اقتراااابا … وبدأت الحن القصيدة واغنيها.. والصف يردد وراءي… وعندها لو طلب مني الاستاذ ان ارقص لرقصت… على مبدأ كاد المريب ان يقول خذوني..
ولما خرج الاستاذ .. عنفت الطالب الشقي .. على موقفه الارعن المتهور الذي كاد ان يكشف المستور … ثم تهافت عليَ الطلاب بقروشهم وانْهَلتُ عليهم بالعلكة .. مزهواً ومستمتعاً بممارسة التجارة .. كان ذلك في الصف السادس الابتدائي (ج) في مدرستي الابتدائية الواقعة في وسط شارع ايدون في الشارع المقابل لموقف سرفيس ايدون المستشفى العسكري المار بجامعة اليرموك..
كانت مدرستنا من ذوات دوام الفترتين تقاسمها النهار مدرسة الحسن بن الهيثم فشهراً نكون من رواد الفترة الصباحية وشهرا من رواد الفترة المسائية .. وكانت المدرسة دار من طابقين مملوكة لاحد الاربديين .. جوزيف نصراوي…
قرع الجرس اشعارا ببدء الحصة الثانية .. فرَ الطلاب لسماع الجرس كأنهم حمرٌ مستنفرة فرت من قسورة .. ولاذ كلٌ في مقعده .. لكن البعض لم يقاوم اغراء العلكة فالقاها في فمه..
دخل معلم الحساب وكان يدرسنا العلوم والحساب .. فأصبح الطلاب خُرس صمٌ بكمٌ . ..خوفاً من مهابة وهيبة المعلم… كان المعلمون قديما هيابين مهيبين،، وللمعلم مكانة كبيرة وعظيمة في نفوس الطلاب واهاليهم،، كنا نرتجف لمرور المعلم اي معلم من الحارة ونخاف منهم اكثر من آبائنا …فننزوي في مكان خفي حتى يمر .. وكان التعليم ينتج مخرجات وكفاءات علمية قادرة ومؤهلة .. حتى ان كثير من خريجي الثانوية كانوا يعينوا معلمين فور تخرجهم …
صاح استاذ الحساب : خليك معاي بصوت اشبه بزمجرة اسد غاضب .. اليوم درس حساب افتح الكتاب: وتابع وهو يكتب على اللوح مسائل الحساب.. ونحن نرتجف خوفاً الا من كان يعشق الحساب وهم قلة..
…..إلْتَفَت نحونا وهو يتأبط عصاً طويلة ممشوقة القوام ولها عندنا مقام .. انا بدأت اقرأ المعوذات والفاتحة كي لا ينادي اسمي …. وبدات ارتجف ورجلاي فقدتا السيطرة كانني اقرأ افكاره .. وصرخ بصوت هادر : محيلان على اللوح…
الحلقة الثانية
من روايتي : شارع ايدون: اضاءات من الذاكرةة
الدكتور محمد حيدر محيلان
وصرخ بصوت هادر : محيلان على اللوح…
وبدا معلم العلوم يتمتم بكلمات غير مفهومة لانها تزدحم مع غضب وجدية صارمة ننحني لها خوفاً واجلالاً ..… وانا بدأت أستلُ نفسي من المقعد متثاقلاً الى اللوح أجُرُني …وتختلط بداخلي مشاعر واحاسيس الخوف والرعب وسوء الحفظ… وصرخ ..يستعجلني أسرع الى اللوح يا تلميذ ..
انا كأنما اسوقُني لمسلخ ….قدماي لا تكادان تحملاني وبركلة فجائية غير متوقعة من قدمه.. اوصلتني للوح مرتطما بالمسألة بسرعة… حيث كنت انتظر ضربة امامية من العصا… أُنسيتُ وقتها جدول الضرب وجدول الجمع وكذلك كدت انطرح ارضاً من اجتماع القصف المركز من جميع الاتجهات باليد والقدم وبدأت احل المسالة:
+٪؜ +_ … ستة ضرب سبعة = اثنان وسبعين اثنان باليد سبعة على الشجرة..
وانظر الى الخلف اختلس لمحات سريعة ..ويدي اليسرى على( مؤخرتي) لاني اتوقع قصف مفاجيء من احدى الاسلحة المدجج بها الاستاذ، من فوق او تحت او في الوسط بالعصا .. وكانت ركلةً عنيفة من تحت ألصَقتني باللوح مرتطماً ومرتدا بعنف…
اعادني لمقعدي بصورة بهلوانية أآكشنية… ولما عاد لي وعييَ تفقدت اجهزتي واعضائي الجسدية ما زالت بمكانها اذن انا (بخير جزئي)… الحمد لله .. لكن بعض غبار السلاح المستخدم (كندرة المعلم ) على بنطلوني وطباشير اللوح على وجهي وقميصي…. وشعري منفوش كانه كمشني منه وزتني للخلف…. فأجآءَني الى وسط المقعد … نظرت خلسة واذا طالب أخر امام اللوح باكيا او متشنجاً.. احسست ما فيه ولديه من تراكم مشاعر الخوف واللحظات المريعة… (استغربت الطالب بحل صح ودموعه بتسيل على خده… طيب انا بعيط من الكتل وهو بعيط من ايش!؟ )
( كنت بدي اضحك بس ما استجريت ) ..
قلت لنفسي طيب انا من الصف الثاني وانا حافظ جدول الضرب عن غيب (وستة ضرب سبعة اثنان واربعون) بعرفها … كيف اصبحت اثنان وسبعون .. لا شك انها من هول الموقف تضاعفت ..
– وصرخ بي المعلم المهيب: (طبعاً بعد ان زبطت وحلها الطالب الذي ما زال يبكي !!!) يلفتني الى الاجابة :.
محيلااااان عرفت كم سبعة في ستة….
نعم استاذ سبعة واربعين..
:- ايش يا ولدْ !!؟
:- اربع وسبعين استاذ
:: انطم انطم وانتبه….ولك انت لازم تروح تبيع بندورة بالحسبة!!!
(لو يعرف الاستاذ إني ببيع علكة !!! والباكيت معي بالدرج .. يا حبيبي!! )
طبعاً أنا أُنسيتُ كل ما عرفته وحفظته من رياضيات وجداول ( كنت حفظتها عن ظهر قلب وَسَمْعْتها لأبي،، معلمي الاول ومدرسي ) في صفوفي الاولى المدرسية. من الخوف.. والشوف….
تفقدت من يبكي علي فلم اجد سوى باكيت العلكة،، لم يزل مكانه،، متخبي من الموقف ويلوذ بالصمت.. نظرت الى زميلي بالمقعد،، ما زال ثابت الجأش ،، لكن غيَّر مكانه .. وجعلني من جهة الشارع بدون ارتداد وتغطية وتهوية ،، اي مواجه مع المعلم المهيب وانزوى هو من جهة الحيط،، يعني مكاني الذي اختبأت به سابقا ولم ينفعني او يسترني .. لا اعرف أهو من بدَّلَ من فورٍ مكانه ؟؟ ام أنا أتى بيَّ القصف والعصف لهنا؟؟ .. لا ادري!! على كلٍ الحمد لله إنقضت حصة الحساب وذهب المعلم ( له الرحمة ان كان متوفى وطول العمر اذا كان حي )…وبدأت تتحسن نفسيتي ولكني احتاج لحصتين حتى اعود اتكلم او ابيع علكة كالمعتاد …
يتبع في الحلقة الثالثة