رمضان والشعراء / الدكتور إبراهيم علي الطيار

كنانة نيوز –
رمضان والشعراء
الدكتور إبراهيم علي الطيار
نستظل في هذه الأيام أفياء شهر رمضان المبارك الذي فرضه الله على المسلمين شهر رحمة وبركة وشهر عبادة وتقرب إلى الله عز وجل، فهو موسم المواسم ودرة أشهر السنة بالنسبة للمسلمين، ففيه تسمو الأنفس وتنقى الأرواح وتعمل الأجساد تقرباً إلى الله الكريم بكل الأشكال والطرق، فتزيد العبادات وتحسن الأخلاق وتصفو المعاملات، وقد احتفت الشعوب الاسلامية بهذا الشهر الفضيل وعبروا عن فرحهم بقدوم هذا الشهر وحزنوا لرحيله فظهر مفهوم التوحيش الذي ابتكره القراء والمؤذنون، أما الشعراء فإن رمضان موسم من مواسمهم المحببة الذين وثَّقوا من خلال شعرهم كل تفاصيله معبرين عما يدور بأنفسهم وناقلين الواقع على شكل صور شعرية جميلة، فقد قال عبد الصمد مهنئاً الصاحب بن عباد بقدوم شهر رمضان:
كساك الصوم أعمار الليالي
وأعقبك الغنيمة في المآل
وقال أبو بكر بن عطية الأندلسي ناصحاً غيره:
لا تجعلن رمضان شهر خسارة
تلهيك فيه من القبيح فنونه
واعلم بأنك لا تنال قبوله
حتى تكون تصومه وتصونه
كذلك فقد استبشر الشعراء بهذا الشهر الفضيل حيث وصفوه بأنه مجمع الخير وموسم الخيرات والفضائل، اذ قال أحدهم:
جاء الصيام فجاء الخير أجمعه
ترتيل ذكر، وتحميد وتسبيح
فالنفس تدأب في قول وفي عمل
صوم النهار وبالليل التراويح
وفي الشعر الحديث قال مصطفى صادق الرافعي عن رمضان بأنه شهر كالغمام يعم الأرض بالخير ويدعوا العباد لنيل البر والأجر واغتنام فرصة قدوم هذا الشهر في العمل الصالح:
فديتك زائرا في كل عام
تحيا بالسلامة والسلام
وتقبل كالغمام يفيض حيناً
ويبقى بعده أثر الغمام
بني الاسلام هذا خير ضيف
اذا غشى الكريم درا الكرام
كذلك فقد شبه الشعراء الكثير من الامور برمضان فقال اسامة بن منقذ واصفاً ابن نور الدين زنكي:
سلطاننا زاهد والناس قد زهدوا
له، فكل إلى الخيرات منكمش
أيامه مثل شهر الصوم خالية
من المعاصي وفيها الجوع والعطش
ولم يخلو رمضان من مظاهر البهجة، فكانت الفوانيس في أول العهد الفاطمي مضيئة في كل لياليه لتدل على حاملها وعلى التواصل فيما بينهم ليصبح رمزا للبهجة وتقليدا من تقاليد الشعوب في رمضان، أما حلوى رمضان فقد ذكرها الشعراء كحلوى الفالوذج (ماء ودقيق وعسل ولوز) والخبيصة (تمر وزبيب)، فقالوا
فالوذج يمنع من نيله ما فيه من عقد وانضاج
يسبح في لجة ياقوته للوز حيتان من العاج
وقال الشعراء في كنافة رمضان المغمورة في القطر، فقالوا فيها
إليك اشتياقي ياكنافة زائد
ومالي غناء عنك ولا صبر
أما القطائف فهي محبوبة النفس والروح، فقد قالوا فيها
قطائفك التي رقت جسوما لماضغها كما كثفت قلوبا
كغيم رق لكن فيه قطر غدا القفر الجديب به خصيبا
وقد كثرت الرسائل الاخوانية التي لاتخلو من الفكاهة والمرح والانطلاق وبث الشكوى من تعب الصيام وحمل النفس على احتمال شدته وشحذ العزيمة فقال بديع الزمان الهمذاني عن رمضان “ثقيل في حركته وإن حَسُن وجهه، جعل الله بدره فداءً لهلاله، فإذا جاء العصر وقفت الساعات وتعذر الفوات وخشعت الاصوات، فليله يمر مر السحاب وما بين العشاء والسحر إلا كلمح البصر” وفي جانب الفكاهة قال احد المجوس الذي أسلم حديثا فأدركه شهر رمضان فصام ولكن الجوع والعطش أتعباه، فقال:
وجدنا دينكم سهلاً علينا
شرائعه سوى شهر الصيام
وقال ابن الحجاج في رمضان عندما يأتي في شهر آب الموصوف بحرارته العالية:
شهر الصيام مبارك مالم يكن في شهر آب
خفت العذاب فصمته فوقعت في نفس العذاب
فالشعراء فعلوا كما فعل غيرهم من الناس قالوا في حب الشهر الفضيل ووصفوا العديد من طقوسه وجمالياته وعبروا عن مشاعرهم تجاه الصيام، ومع ذلك فشهر رمضان هو شهر باركه الله وصيامه عبادة كبيرة من أركان الدين الاسلامي الذي نعتقد به.