الأديبُ الناقدُ هاشم خليل عبد الغني يكتب اللغة والمجاز عند الشاعرة الأردنية “ آمال القاسم “

كنانة نيوز – ثقافة –
كتب  الأديبُ الناقدُ هاشم خليل عبد الغني
اللغة والمجاز عند الشاعرة الأردنية “ آمال القاسم “
الشاعرة آمال القاسم قي قصيدة ( مخاض فكرة ) ترسم خارطة وطنٍ ممزق تسحقه الحروب والفتن بقلم – هاشم خليل عبدالغني – وكالة كنانة نيوز
اللغة والمجاز عند الشاعرة الأردنية “ آمال القاسم “ للأديبُ الناقدُ هاشم خليل عبد الغني
الشاعرة آمال القاسم قي قصيدة ( مخاض فكرة )
ترسم خارطة وطنٍ ممزق تسحقه الحروب والفتن
مخاضُ فكرة

وحدَها المجازاتُ الحُبلى ؛

بالأسئلةِ والأخيلةِ والأمنيات
معابرُ لحناجرِ الوطنْ ..
وحدَه ماءُ القصيدةِ
يغتسلُ بحليبِ الغيمِِ ..
وحدَها المنافي ..
ترتدي جسدَ الخريطةِ
وحدَه البحرُ يتمدّدُ
في رمقِي ..
وحدَها أصابعي ،
تستهلُّ الجمرَ ..
لتقطفَ أبخرةَ الأجوبةِ
من نبوءةِ الشمسِ الصديقةْ
ووحدَهُ النايُ يلوكُ فمي ..
يشهقُني .. يسحقُني ..
يجُزَّ عنقَ الحقيقةْ
فيُجهِضُ كلَّ المجازات
ويُسقِطُ جيناتِ الاحتمالاتِ
ويصيحُ في دمِ اللغةِ :
آآهٍ يا بلادي ..
ما أوجعكِ
في امتدادِكِ وحدادي ..!!
– هاشم خليل عبدالغني – الأردن
آمـال القـاسم شاعرة أردنية ، مـن أهــم الأصــوات الشعـريـة الأردنية المعاصرة المميزة والفذة بلغتها وانزياحاتها الخلاقة والمبتكرة ،حـقــقت شـهرة واسعة بـين الأوساط الثقافية المحلية والعربية ، تمتلك تجربة شعـرية ناضجة تتسم بالجـمال والعـمـق والـدهشة ، نـشرت قـصائدها في مجــلات وصحف أردنية وعالمية ، وقد فازت بمراكز أولى عالميا وعربيا ضمن مسابقات أدبية في في قصيدة النثر والومضة والمقالة ، وترجمت بعض قصائدها إلى عدة لغات أجنبية ، أديبة تستحق الدراسة والبحث المعمق .
القاسم شاعرة نشيطة في الساحة الأردنية ، شاركت وبفاعلية في العديد من الأنشطة الثقافية محليا ودوليا ، سجلت حضورها وبفاعلية في الساحة المحلية ،بمشاركتها فــي إقـامة أمسيات شعرية فـي مخـتلـف المـدن الأردنية .
سنحـاول فـيما يــلي إلـقاء الضـوء على قـصيدة الشاعـرة المتألقة آمال القاسم ” مخاض فــكرة ” شدتني هـذه القصـيدة لما تتسم به من وطنية صادقة ورقي لغوي شفاف وبناء فني متوازن وصدق عاطفي وزفرات وجدانية .
القصيدة فكرةٍ ساكنة حافلة بانفعالات نفسية، ومشاعر مكبوتة منها الايجابي والسلبي وتزيد الانفعالات من الشحنة الوجدانية المتحركة حيث مخاض الفكرة تتوالد وتتفاعل وتتحرك ضمن نطاق محدد في فضاء مفتوح ، إنه المخاض.. ،( مـخاض فكرة ) إنـه وجــع ولادة الأفـكار وتقـليب الـرأي وتـدبر عـواقبه حتى يظـهر الصواب ، هذه الصورة الذهنية المبطنة تصطدم بمخاض الفكرة المستدركة أو أي ردة فعل يخطر على البال فيما بعد، لذا لا بد من ضبط حـالة الطلق ليخرج المولود ( الفــكرة ) فـكرة جــديدة مبتكرة ، تحـمـل مـبادئ معـينة يسهل الدفاع عنها قي ظل صراع الأفكاروالمصالح .
وحدها الكلمات الـمواقف الصادقـة (الحامل) فـي جوفـها “الأسئلـة والأوهـام ومـا يتمـناه الـمرء ويشتهيه” …أسئـلـة تثيرها الشاعرة ،عـن أسباب هــذا التـمزق والبعــثرة فـي مـختلـف مـجـالات الـحــياة ، عـلــى مــستــوى الأمــة والــوطـن وعـــن ســر استــمـرار هـذه الصــراعات الداخلية، والحروب الأهلية، التي أكلت الأخـضر والـيابس، واسـتنزفت طـاقـات البــلاد والـعـباد، بــدلا مــن تـوظيفـها فـي خـدمة برامــج التنمية ، بتحقــيق مـجتــمع الكـفــايـة والـعـــدل، مــجتـمــع ديـمـقـراطـي مـوحـــد، ننعــم فيــه بالـحــريـة والديمقراطية، والعدل الاجتماعي، والعيش الكريم.
هذه المسارب الثلاثة التي حددتها آمال القاسم (الأسئلة ، والأوهام ، والأمنيات ) هي جسورنا الموصلة للوطن لنكون الصوت المعبر عنه ، لنجتاز المسالك الصعبة ونتغلب عليها، هذه الأمور يجب أن تزيدنا أيمانا وتصميما للسعي الجاد للخروج من هذه الوضعية المحزنة ، وضعية التفكك والتجزئة والتخلف ، وإلا بقينا كما مهملا في عالم لا بقاء فيه ولا اعتبار إلا للأقوياء …. تتفاعل الشاعرة مع واقعنا وتؤكد على نقاط هامة ، هي المسار الصحيح للخلاص من واقعنا البائس ، وتطرح الشاعرة أفكارا ورؤى للإخلاص من هذا الواقع .
مخاضُ فكرة
وحدَها المجازاتُ الحُبلى ؛
بالأسئلةِ والأخيلةِ والأمنيات
معابرُ لحناجرِ الوطنْ ..
تؤكد الشاعرة ” آمال القاسم ” أن القصيدة التي تحمل في طياتها موقفاً من الحياة والعصر ، إما تفاعلاً وإما هــروباً من الواقع الـمر هي قــصيدة التي تتسم بالـطهر والنقـاء والبراءة ، فقيمة القصيدة تكمن في ما تناله من قبول لدى القرّاء وما تخلّفه من انطباع لديهم فإذا كانت صادقة معهم تمّ قبولها، وإذا كانت مُراوغة تمّ رفضها.
تنتقل الشاعرة للحديث عن المنافي القصرية في بلادنا العربية ، في إشـارة ذكــية وعـميقة إلى أن الــمنفى كــلمة تختصر حياة الإنسان العربي الحديثة ، الـذي يعيش المنفى على مستويين ، منفى جماعي فــي داخـل الــوطن ، ومنفى فــردي خــارجــه ، فالمنفيون كما ترى الشاعرة حالمون فقد نسجوا وطنهم في الذاكرة ، محتفظين بهويتهم الأصلية التي أحبوبها ، فالحلم بالوطن البعيد والقريب هو مــا يقتات عليه المنفي .
وحدها الأحلام والأمنيات عـلى اتساعها ، تتمــدد وتستطيل بـراحــة واسترخاء ، في بقية روحي .. فالأحلام كـما قيل 😞 أحــلامنا تمنحنا جرعة كبيرة من الأحاسيس، وأحاسيسنا تقودنا مجدداً إلى الأحلام ) .
وحدَه ماءُ القصيدةِ
يغتسلُ بحليبِ الغيمِ
وحدَها المنافي
ترتدي جسدَ الخريطةِ
وحدَه البحرُ يتمدّدُ
في رمقِي
آمال القاسم تستسهل الصعب ،وتهوى عناق الريح في القمم بــرويــة وتــدبر وقـوة ، لتحصل على إجابات صحية صادقة لأسئلة تشغل حيزا كبيراً من تفكيرها ، من صديق واعٍ يجيد قراءة ما بين السطور ، يمتلك نبؤة الإخبار عن المستقبل .. يتنبأ بالعديد من المشاكل والأزمات باستخدام وسائل خارقة للمألوف .
وحدَها أصابعي
تستهلُّ الجمرَ
لتقطفَ أبخرةَ الأجوبةِ
من نبوءةِ الشمسِ الصديقةْ
صـوت النــاي لا غيره حمل عــدة رســائل لآمــال القــاسـم ،( الشجن ألم القلب والحنين والدموع ) صـوت النـاي يــوقـظ أحزان الشاعرة ، فالناي والحزن متلازمان، لذا قيل (وجد الناي يوم وجد الحزن ) أليس الناي بوابة الشعراء ؟ ! ، ولأن ( القاسم ) مفعمة بإحساس جياش عذب ، ورهافة محببة ، فصوت الناي ترك في نفسيتها آثارا مريرة ، فجعلها تتلعثم وتتلجلج بكلامها ، وتحس بحشرجة وانقباض في صدرها ، وبأنها مطحونة مسحوقة . صوتك أيها الناي يغتال الحقيقة ، يقتل قناعات الناس، ويسحق آمالهم ويــدمر مواقفــهم ، صوتك سـاهم في إفساد وإرباك أهل الحق وتحـــيدهم، تــرتب عــلى قتل الحقيقة وإغلاق كل النوافـذ التي تـــمدها بــأكسجين الحــياة ، إسقــاط الاحتمــالات والتوقعــات المرجوة ، من آمال الأمة ومعرفة مكانتها في الوجود الـمكاني والزمني، فالأمة في ضياع وتخبّط لم يشهد له مثيل.
ووحدَهُ النايُ يلوكُ فمي
يشهقُني .. يسحقُني
يجُزَّ عنقَ الحقيقةْ
فيُجهِضُ كلَّ المجازات
ويُسقِطُ جيناتِ الاحتمالاتِ..
بعد أن أرسل الناي أصوانا رمادية حزينة شجية ، فجأة يصرخ بقوة في شرايين اللغة مـتذمـراً متـحسراً ،(لأن التــغيير يبدأ من اللغة وبمجرّد أن يبدأ الفعل في ترجمة نفسه إلى كلمات ، تكون الثورة بدأت في مسار صعودها وانبلاجها، ومــنها تبدأ إمكانات التغيير)، يصرخ الناي 😞 آه يا وطني… نشبت أنياب السباع في جسدك ، آه يا وطن …يا وطني الجريح ، لم نعد نستطيع أن نراك مكبلا ) ما يؤلمك ؟ ما يوجعك يا وطني وأنت المترامي الأطراف !! … أيوجعك أنك مريض طريح الفراش ؟ أيوجعك أنك مقسم ؟ أيوجعك أنك ذبيح جريح ؟
وفي تلاحم بين الشاعرة والوطن .. تنهي ” آمال القاسم ” قصيدتها بإعلان الحداد على وطننا ، على غربتنا داخل وطن يضيق بتواجدنا، يضيق بوعينا، على وطن يقتل أبناءه، ويشردهم ، على وطن لم يعد وطنا، بل أرضا للخراب والاقتتال والدمار وسفك الدماء في بلادنا ، في بلاد السواد الأغلب من الناس، هم في واقع الأمر الشعب المُغيَّب ، فقد أمست لازمة الصبر(هي المتواترة على الألسن ) .
ويصيحُ في دمِ اللغةِ
آآهٍ يا بلادي
ما أوجعكِ في امتدادِكِ وحدادي ..!!
سكرة القمر
في الخلاصة … يتضح مما تـقدم أن ( آمال القاسم ) تطـلق صرخة إنسانية ، مفادها أن لكل إنسان عربي حق مشروع ، أن يعيش بكرامة ، حياة خالية من القتل والخراب والجهل ، كما تطالب الشاعرة باسترداد الوطن المحترق بالحروب والصراعات، وتطالب أيضا بإيجاد ممر آمن للخروج من دهاليز هذه الفجيعة ، وإقامة الحد برجم شياطين وتجار الحروب . بالمجمل آمال القاسم في هذا النص المتفجر بالحيوية والانتماء… شديدة الحب لقومها، شديدة الغيرة على وطنها (قلبها مليء بالإيمان،الذي ينبض بالحب لهذا الوطن”