الزميل عدنان نصار يكتب: رمضان ..وإيقاظ العواطف النائمة..!

كنانة نيوز –
الزميل عدنان نصار يكتب: رمضان ..وإيقاظ العواطف النائمة..!
صحيح شهر رمضان ،شهر العبادة والصيام بإمتياز..غير انه يعد أيضا شهر نكأ الجراح وايقاظ العواطف النائمة ،عبر عواصف انسانية تسكن في الشخصية الجوانية للناس، لا تستيقظ الا في شهر رمضان ،وتستحضر الذاكرة العاطفية على الموائد الرمضانية الأسرية في كل مرة ، الغائبين عن المائدة ، وعن كراسي كانوا حتى وقت قريب يشغلونها .
 
هذا عرف رمضان ، وهذه واحدة من سماته الجامعة لتشتت وانشغال خطفتنا فيه بقية الاشهر حتى صرنا جميعا ،بلا استثناء عن قصد او غير قصد نوقظ في دواخلنا هذه العاطفة المقدسة انسانيا، دون أي كلل او ملل منها ،بل على العكس نستحضرها حتى وان عاندتنا الذاكرة وحاول الواقع اعادتنا إلى اللحظة الراهنة التي نعيشها..ولا أعتقد أن البيوت التي توصد أبوابها مع وقت آذان الإفطار، تستكمل نصابها العاطفي في جلستها ،فثمة نقص في إعداد الكراسي ، كما هو الحال في ثورة عاطفية صامتة تسألنا في كل مرة عن الذين راحو ولم يعودوا، وتركوا أماكنهم على المائدة ،لكنهم لم يغادروا عاطفتنا او ذاكرتنا حصرا في شهر رمضان .
 
في ظل هذا التناغم بين الموجودين والمفقودين، يطل على بعض الموائد وما أكثرها سخاء الدمع على الغائبين ، أيضا في ظل صراع خفي او معلن مع عاطفة لا يمكن أن تغفلها أم بكت ولدها ،او ولد بكى امه ، او اخ غيبه الموت دون مقدمات ..،كل ذلك ربما يكون اهون من طفل يتلمس أشياء على المائدة تعود لوالده الغائب في كنف الموت..او طفلة تمسك بقطعة خبز وتنتظر من يربت على كتفها ، ويمسد على شعرها ليقول لها: “صحتين بابا” ..كل شيء اهون من سخاء دمع مع موعد الإفطار كلما راحت نظرات (ريما) إلى صورة معلقة قبالتها على حائط قريب من المائدة..
 
هو رمضان ،الذي يعيدنا في كل مرة إلى مربعنا الأول من حياتنا ، ويصر هذا الشهر الطيب ان يوقظ فينا كل العواطف النائمة ، ويعيد إلينا ذاكرة ،كنا نظن اننا طوينا ملفها ، او على الاقل أجلنا شوقنا اليها إلى وقت قادم..،ويصر رمضان بكل قدسيته وطهارته ان يوقظ فينا الدمع على الغائبين عن موائدنا ،ويوقظ في دواخلنا أشياء مخبئة كنا حريصين على عدم ايقاظها ،لتبقى نائمة مرة وعائمة على ضفاف القلب مرات ..أشياء لا يعرفها إلا أولئك المحرومين من الأطفال اليتامى الواقفين على باب الرجاء ، والأمهات اللائي يتحسسن ويشمشمن قمصان أبنائهن النائمين في حضرة الموت..وأباء ينسحب عليهم :”أراك عصي الدمع ،شيمتك الصبر” ..
 
ما احوجنا إلى الصبر يا الله ؛ وما أحوج الغائبين إلى شوق الدعاء.