العنف و التسامح / لانا عبيدات

كنانة نيوز – مقالات –

العنف و التسامح

لانا عبيدات

إن الطبيعة الإجتماعية للإنسان تفرض عليه ضرورة التعايش مع غيره و بناء علاقات في شتى المحالات و في ظل هذه العلاقات تنشأ الصراعات و الأزمات فتفتر الروابط بين الناس، لكن حكمة الإنسان وعظمته تكمن في قدرته على قبول هذا التناقض و التحكم فيه، فيقابل العنف باللاعنف و اللاتسامح بالتسامح و يعرف العنف بأنه كل عمل يضغط به شخص على إرادة الغير بإستخدام القوة و قد يكون ماديا أو معنويا ,فيما يعتبر التسامح نموذج المعاملة الإنسانية من منظور الإحترام و التعاون الأخلاقي .
و قد إحتدم جدل واسع بين الفلاسفة والمفكرين حول مشروعية العنف و علاقته بالتسامح أدى إلى ظهور تيارين متعارضين تيار يرى بأن العنف لا نرد عليه إلا بالعنف و تيار يرى بأن العنف سلوك لاإنساني ولابد من مقابلته باللاعنف “التسامح”
هذا الجدل الواقع بينهم يدفعنا إلى طرح التساؤل و الإشكال التالي:هل يجب أن نقابل العنف بالعنف أم من الحكمة أن نقابله بالتسامح ؟ أو بمعنى آخر هل العنف هو الوسيلة الوحيدة لحل المشاكل ؟ هل العنف ظاهرة سلبية أم إيجابية
محاولة حل المشكلة:
عرض منطق الأطروحة: “العنف لا يقابل إلا بالعنف ”
إن العنف هو الوسيلة الوحيدة لحل المشاكل ,فهو أساس البناء و لا يجدر بنا مقابلة العنف بالتسامح لأنه دليل على الجبن و التخاذل و التنازل عن الحق وهذا لوجود أسباب نفسية ,إجتماعية و سياسية شرعت إستعمال العنف و يدافع عن هذا الرأي كل من (هيرقليطس,ميكيافيلي,هوبس,روسو) و يبرر هؤلاء موقفهم بالحجج و البراهين الآتية :
إن العنف هو أداة لإثبات الذات كما أنه يمكن الإنسان من إسترجاع حقوقه و ذلك وفق المبدأ القائل ” ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة ” فقد وجد الإنسان في قانون مقابلة المثل بالمثل في القصاص ، ومنذ القديم، روح العدل والإنصاف في ضمد الجراح ،و استرضاء الفطرة في إدانة المدان. و قد وضع هذا القانون الملك حمورابي سنة 1730 ق.م وأيدته الكتب السماوية و الكثير من الدساتير و الأنظمة العالمية ومؤدى هذا القانون أنه من يتعدى عليك، فلابد من الرد عليه بمثل ما تعدى به عليك، بغرض الدفاع عن النفس، وبحكم معادلة الشتم بالشتم والعين بالعين؛ فاللاتسامح الذي ينفي التسامح يجب أن يقابل بالمماثل بعينه، وهو اللاتسامح.
و قد أكد الفيلسوف اليوناني هيرقليطس أن العنف هو أصل كل الأشياء في قوله “إن القتال هو أبو سائر الأشياء ” فهو قصد عدواني لإثبات الذات، ومصدر التسلط، وأداة شرعية أخلاقيا ودينيا لاسترجاع الحقوق المغتصبة و يذهب هيرقليطس إلى أنه لكي تكون الأشياء لابد من نفي شيء أو تحطيمه.
كما أن العنف هو مصدر السلطة فالإنسان أناني بطبعه يسعى دائمل لإثبات ذاته و فرض سيطرته على الغير يقول هوبس ” الإنسان ذئب لأخيه الإنسان” و يرى كالكاس أن العنف هو المسيطر في الطبيعة وفق مبدأ البقاء للأقوى فمثلا اللبوءة تقتل صغيرها إذا ولد بعاهة لأنه لن يقدر على إصطياد فريسته ومنه سيغير من قانون الغاب يقول في هذا ” وكذلك الأمر بالنسبة إلى المجتمع الإنساني، فمن العدل أن يكون الأقوى فيه هو المتفوق وصاحب السلطة. فليأت إنسان قوي و جبار و حينئذ يمكننا أن نعرف “القانون الحقيقي و هو قانون الأقوى ” و يمكننا معرفة من هو الذي ننحني أمامه”و يرى نتشه أن الأخلاق من صنع الضعفاء لتبرير ضعفهم و أن البقاء للأقوى فلا سبيل إلى السلطة إلا بالقوة و التجبر يقول نتشه ” إخواني أضع فوقكم هذه اللائحة كونوا قساة ” كما يرى ميكيافيلي أن البقاء في السلطة يفرض على الحاكم أن يكون مخادعا متسلطا و أن يعمل وفق مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”
و يرى فرويد أن العنف ميل فطري طبيعي في كل إنسان فهو أصل الإنسان وسلوكاته فالعنف عند “فرويد” هو نتيجة صراع بين نزعتين أساسيتين: نزعة الحياة ( إيروس ) ونزعة الموت ( ثناطوس)، الأولى تنزع نحو المحافظة على حياة الذات، والثانية تنزع نحو إرجاع الحياة إلى السكون.كما أن سببه هو كبت مختلف الرغبات و الغرائز يقول” إن الضغط الاجتماعي يتحول نفسيا إلى كبت لدى الفرد ليعود في شكل سلوكٍ عدواني ضد ما يعتبره المسؤول عن معاناته. وقد يصل به الأمر إلى استرخاص الحياة واختيار الموت” .
أما آنجلز فيرى أن العنف هو السبيل لتغيير الوضع السيء داخل المجتمع و هذا ماجعله يدعو رفقة ماركس إلى ضرورة الثورة على الرأسمالية فالعنف يولِّد مجتمعا جديدا، كما قال “أنجلز”. فأمام العنف الاجتماعي الظالم ( اللامساواة الاجتماعية والتفاوت واستغلال طبقات لطبقات أخرى)، يوجد عنف مضاد عادل هو العنف الإيجابي البنّاء الذي يهدف إلى تصحيح الواقع الرديء وإعادة بنائه بصورة تتناسب أكثر مع قيم الخير والحق والعدل في الحياة ـ بناء المجتمع الاشتراكي ـ
كما أن العنف وسيلة تشرف بشرف غايتها ف الثورة الأصيلة هي في أساسها غاية أخلاقية أمام الاضطهاد والظلم من حيث إنها تسعى إلى استرجاع الحق وتحقيق العدل مثل الثورات التحريرية فالعنف (الإيجابي) تبرّره الأديان و الأخلاق “الجهاد في سبيل الله و الوطن”:وهنا يمكن القول بأنه لا يوجد عنف من أجل العنف؛ أي لا يتخذ العنف من نفسه غاية.ولكنه كوسيلة ضرورية ” شر” من أجل غاية سامية. يقول روسو “ليس لنا فقط، الحق، بل من الواجب أن نثور إذا اقتضت الضرورة ذلك. فهناك نوع من الأخلاقية تدعونا إلى حمـل السلاح في أوقات ما” . ويقـول ماو” نقوم بالحرب من أجل السلم لا الحرب من أجل الحرب” .
نقد و مناقشة: رغم ماقدمه هِؤلاء لإثبات ضرورة إستعمال العنف إلا أن القول بأنه طبيعة إنسانية مبالغ فيه فقد أثبتت دراسات “فروم” أن الحيوانات لا تلجأ إلى العنف إلا لضرورة بيولوجية فكيف نسقط هذه الصفة على الإنسان و هو كائن عاقل كما أن تبرير العنف بحجة الغاية ماهو إلا مبرر كاذب يخفي وراءه نوايا خبيثة
عرض نقيض الأطروحة : ” لابد من مقابلة العنف بالتسامح “