أنا والبربيش والأستاذ والطلاب / كامل النصيرات

كنانة نيوز  – 
أنا والبربيش والأستاذ والطلاب
كامل النصيرات
كان ( بربيش / بربيج ) أحد أساتذتي في المدرسة الابتدائية ؛ قصيرًا ويتلوّى بسرعة كبيرة ؛ بالإضافة إلى كون البربيش ذا فتحة ضيّقة ..!! وحتى أكون آخر صراحة معكم ..قال لي زملائي الطلاب حينها بأن ضَرَبات هذا البربيش بالذات ليست كما المطلوب ..يعني فيها وجع ..بس مش الوجع إللي بدّك إيّاه ..!! وعندما أقول لكم قال زملائي ..هذا يعني بالتأكيد بأني لم أذق طعم ضرباته ..وللحق ..لم أُضرب بذلك البربيش لأني كنتُ طالبًا محترمًا جدًا مع ذلك الأستاذ فقط ..فلم أكن أُشاكس وأشاغب معه كبقيّة الأساتذة الآخرين الذين كنت ( مْشَيّبهم ) بكثرة حركاتي وجنوني وتهبّلي ..!! أما عن سبب تجنّبي لذلك الأستاذ بالذات ..فقط لأنني كنتُ أحب المادة التي يُدرِّسها لنا وهي اللغة العربية ..وكنت أكره تفاهة الطلاب في تلك الحصّة ..!!
لذا ..قرّرتُ أن أُهدي هذا الأستاذ بربيشًا جديدًا ..وقد اخترته أسود اللون ..غليظ الفتحة..طويلًا..يتلوّى ببطء شديد أبطأ من حيّة مريضة مش قادرة تمشي ..!! كان الجوّ شتاءً في شهر كانون الثاني ..خبّأتُ البربيش وانتظرتُ الحصّة الأولى كي أُقدِّم هديتي للأستاذ والذي تقبّلها بفرح غامر ..وعيون الطلاب تأكلني ولسان حالهم يقول : ما هذا الانقلاب الذي حدث عند “كامل” ..فهم يعرفونني زعيمًا من زعماء الشغب ..!!
جاءت الحصّة الثانية لأستاذ آخر ..وكان اسمي الوحيد المدوّن على اللون كمشاغب بعد خروج الأستاذ الأوّل..!! وما أن رأى الأستاذ الثاني اسمي حتى ناداني بعصبية وقال : روح على الصف إللي بجنبنا وهاتلي إللي معه .. عصاة ؛ بربيش ؛ كندرة ؛ أي إشيْ..!! خرجتُ مطأطأ الرأس وصعقتُ عندما رأيتُ ذات الأستاذ الأول في غرفة الصف الذي بجنبنا ..استأذنته بالبربيش ..أذِنَ به وهو يسألني : مين إللي رَحْ ينضرب فيه ..فقلتُ : أنا ..!! ضحك ضحكًا عاليًا وحكى لطلابه إنني أنا من أحضرتُ البربيش وأنا أوّل من سأذوق حلاوته ..!!
حكم عليّ الأستاذ الثاني بعشر ضربات تحت ضغط الطلاب بالزيادة ..كنتُ أبكي من القهر قبل الضرب ..وما كاد يشمطني أوّل ضربة حتى صرختُ والطلاب يضحكون ويهتفون وكأنّ هدفًا تمّ تسجيله في مرمى الخصم ..لم أتحمّل ..لا قساوة البربيش ولا أن أُضرب بذات البربيش الذي أحضرته ..!! لم أنتظر الضربة الثانية حتى تهوي عليّ ؛ هربتُ من الصف مسرعًا ..لحقني الأستاذ وجمع من الطلاب أعادوني بالقوّة ..ضربات بربيشي في كل مكان من جسدي في جوٍّ بارد ماطر..!! نظرات الشماتة؛ والتشفّي كان أصعب من كل ضرب..!!
تعلمتُ درسًا قاسيًا ..ولكن حكوماتنا العربيّة لم تتعلّم ذات الدرس ..رغم أنها أحضرتْ ألف بربيش لألف أستاذ لها..وأكلتْ ألف ضربة من كل بربيش ..وهي عارية والوقت كان ثلجًا..!! والعجيب أن هذه الحكومات كل يوم تستبدل بربيشها الذي تنضرب به ..ببربيش أغلظ فتحةً ..وله باع طويل في فهم الخازوق ..!!