اسباب عزوف الأردنيين عن الاحزاب السياسيه / بقلم عاكف بني مرعــي

كنانة نيوز – مقالات –
اسباب عزوف الاردنيين عن الاحزاب السياسيه
بقلم :عاكف بني مرعــي
 
تعتبر الاحزاب السياسيه احد المؤشرات الدالّه على التطور السياسي في الدوله وهي احدى ادوات التنميه السياسيه في العصر الحديث لانها تعبر عن درجة التنميه السياسيه في النظام السياسي .
وتعرّف الاحزاب السياسيه بانها اتحاد بين مجموعه من الافراد بغرض العمل لتحقيق مصلحة عامة معينه , وفقا لمبادئ خاصه متفقين عليها وذلك من خلال الوصول الى السلطه وممارستها .
والدارس لتاريخ الاردن سياسيا يجد ان الاحزاب كانت موجوده في تاريخ الاردن منذ تأسيسه , فقد بدأت الحياه الحزبيه في الاردن قبل تأسيس امارة شرق الاردن حيث كان حزب الاستقلال العربي الذي تأسس بدمشق سنه 1919 احد الركائز التي بنيت عليه الدوله الاردنيه , كذلك حزب الشعب الاردني عام 1927 هو اول حزب دعا الى تكوين مجلس نيابي منتخب وحكومه مسؤوله امامه .
ثم بعد ذلك ظهرت حركة الاخوان المسلمين عام 1943 ثم الحزب العربي الاردني والجبهه الوطنيه عام 1946 وحزب الشعب الاردني عام 1947 والحزب الشيوعي الاردني عام 1951 وهكذا استمر وجود الاحزاب السياسيه حتى صدرت الاراده الملكيه بحل الحكومه وحل الاحزاب السياسيه عام 1956 , وبقيت المملكه الاردنيه بدون عمل حزبي حتى انتخابات عام 1989 التي شاركت بها , وتم عودة الاحزاب السياسيه بقانون الاحزاب السياسيه رقم 32 لسنة 1992 الخاص بتنظيم العمل السياسي في المملكه الاردنيه الهاشميه , واستمرت بعد ذلك دخول احزاب سياسيه منها قديمه واكثرها جديده حتى اصبح عددها لتاريخ كتابة هذا المقال 50 حزبا .
ورغم كل ما صدر عن الحكومه والقياده الاردنيه متمثله بجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسن في دعم الاحزاب ودعم الشباب الاردني للانضمام الى الاحزاب والانخراط بالعمل الحزبي وتشكيل حكومات برلمانيه , فقد دعا الملك عبدالله الثاني في ورقته النقاشيه الخامسه , حيث قال جلالته : يقع على الاحزاب السياسيه مسؤوليات الاندماج وصولا الى عدد منطقي من الاحزاب الرئيسيه الممتده على مستوى الوطن والتي تمثل مختلف اراء الطيف السياسي وتتبنى برامج حزبيه واضحه وشامله .
ومن هنا نرى ان جلالة الملك قد اعطى مفاتيح الاندماج والائتلاف بين الاحزاب لتكوين احزاب قويه ومؤثره تستطيع ان تمثل اطياف المجتمعويتشكل منها الاحزاب اليمينيه واليساريه والوسطى , ورغم كل ذلك نرى انه ما زال الاردنيين يعزفون عن الانتساب للاحزاب السياسيه , لذلك سأتطرق الان الى الاسباب التي تؤدي الى عدم قبول الاحزاب من مغظم الاردنيين .
اولا : الخوف الأسري والمجتمعي من الانضمام الى الاحزاب والمشاركه الحزبيه , لان الشعب الاردني بخاصه قد مرّ بتجارب تميّز طابعها بالاحباط والخوف لدرجة ان كلمة حزب ارتبطت بالممنوع والمحظور والقيد الامني لكل حزبي من جهه وعدم الاهميه من جهه اخرى , وبات الشباب الاردني يسلم للامر الواقع ويكتفي بالمراقبه وعدم التدخل بالسياسه ومن هنا فان عقدة الخوف واليأس لازمن المواطن وارتبطت بالعمل الحزبي لا شعوريا بالعقاب .
ثانيا : الاحوال السياسيه التي كانت بالمنطقه العربيه , فلقد مرت المنقه العربيه في كثير منها بظروف أدت لتدني مستوى الاحزاب فيها , وعملت حكومات ودول على تفتيتها وتقزيمها رغما انه كانت لها دوراً في دولتها ,مما ادى هذا كله الى عدم توافر بيئه سياسيه مشجعه للاحزاب , حيث اسهمت الترسبات التاريخيه السلبيه للاحزاب الوطنيه في ذهن الشباب والمجتمع الاردني الى العزوف عن المشاركه الحزبيه والتي جاءت نتيجة الظروف السياسيه الصعبه التي عصفت بالمنطقه العربيه في العقود الماضيه وكانت بمثابة غيمة سوداء خيم ليلها على واقع التنميه السياسيه وعكست التخوف لدى الشباب من مجرد التفكير في عضوية حزب .
ثالثا : تأسيس بعض الاحزاب الصوريه والتي تكون لخدمة اشخاص معينين مما يؤدي الى الانشقاقات والانقسامات الداخليه المتواليه في الاحزاب , وعندها تكون الاحزاب السياسيه لا يوجد بها ممارسه سياسيه وحراك سياسي , وعدم خبره حزبيه , والسبب هو ان يعمل المؤسسين للحزب على اظهار انفسهم في الوسط السياسي وتقديم مصالحهم الشخصيه على حساب الرؤيه والاهداف التي وجد من اجلها الحزب . وهذا يفقد ثقة الشباب بالاحزاب مما يؤدي الى انعدام المشاركه الحزبيه .
رابعا : القيود القانونيه المفروضه على الاحزاب الاردنيه . بعد عودة الحياه الحزبيه عام 1992 التي توقفت لعقود , فمنذ ذلك الوقت اقرّت اربعه قوانين للاحزاب السياسيه في الاردن نظمت عملها , والتي صدرت في الاعوام 1992 , 2007 , 2012 , 2015 . وحاليا ننتظر اقرار مشروع قانون احزاب جديد مرتقب ضمنه مخرجات اعمال اللجنه الملكيه لتحديث المنظومه السياسيه وهذه القوانين ترافقت تباعا مع اقرار خمسة انظمه متعلقه بمساهمه دعم الاحزاب ماليا .
وهذه القوانين التي قيدت الاحزاب فبعد ان كانت الاحزاب تابعه لوزارة الداخليخ حتى عام 2015 , ثم لوزارة الشؤون السياسيه والبرلمانيه , وفي التعديلات الدستوريه الاخيره اصبحت الاحزاب تابعه للهيئه المستقله للانتخاب , وايضا نالت القوانين المتشددهمن آلية تمويل الاحزاب وهذا كله ادى الى ضعفها وقلة مشاركتها في الانتخابات لعدم توفر التمويل الكافي لترشح عدد مناسب للحزب في عدة دوائر انتخابيه .
خامسا : شخصنة الاحزاب , قد يكون لها ارتباط بصورية الاحزاب ولكن من جهة اخرى , ولذلك يكون الهدف من تأسيس الحزب هو مصلحه شخصيه , اما المنفعه ماديه قد يتحصل عليها بعض مؤسسين الحزب اما من الدوله او من المساعدات الخارجيه , وكذلك لاظهار بعض الموؤسسين للساحه السياسيه , لانها تختصر طريق طويل للظهور على الساحه , وهذا يؤدي بالنهايه الى الفشل وعدم ثقة المواطنين وخاصة الشباب في تلك الاحزاب .
ومن جانب آخر تكون شخصنه الاحزاب عن طريق شخصيات بارزه اصلا ولها ايجابيات وسلبياتوهذه الشخصيات تجمع الكثير من الاعضاء حولها , وتكون هذه الشخصيات تملك فكر سياسي وعلم سياسي ولكنهم يعملون على اقصاء الآخرين ولا يسمحون لهم بابداء اراءهم وبيان فكرهم مما يؤدي الى ابتعاد هؤلاء الاشخاص وخاصة الشباب عن هذه الاحزاب .
سادسا : رؤية المجتمع باكثريته الساحقه ان الاحزاب هي فقط معارضه من اجل المعارضه واسقاط الحكومه , علما بأن المعارضه تعرّف في ادبيات علم السياسه على انها احزاب وجماعات سياسيه تملك برنامجا محددا يهدف بالاساس الى الوصول الى السلطه , وتمتلك الادوات التي تمكنها من تحقيق هذا الهدف , والمفترض انها ترتبط بحركه سياسيه تعبّر عن فئات اجتماعيه وتعمل على دعم وتقوية النفوذ الاجتماعي لها , ودعم الرقابه الشعبيه على السلطه التنفيذيه , ويرتهن نجاحها في اداء تلك الوظائف بتوافر معايير ومؤشرات محدده يأتي في مقدمتها كفاءه البناء الداخلي والتنظيم للحزب .
سابعا : ابتعاد الاحزاب عن الشارع وعن وجودها في كل المحافل والمشكلات اليوميه التي تواجه المجتمع الاردني , اذ ان وجود شخصيات في الاحزاب لها تأثير كبير في المجتمع وابتعادهم عن كل ما يهم الشارع , يفقد ثقة المواطنين بهذه الاحزاب .
نخلص الى القول ان انصراف الناس عن السياسه في السنوات الاخيره بالاضافه الى الاسباب السابقه هنالك اسباب موضوعيه والتي ادت الى فشل الاحزاب الجديده ومن هذه الاسباب الموضوعيه هو رهبة المجتمع من فكرة الحزبيه ( قيد امني ) بتأثير من فكرة الاحكام العرفيه الطويله التي عاشتها البلاد , وكذلك انشغال الناس بظروف العيش الصعبه والتأثير الذي تركته الفضائيات على تعاطي الناس مع الشؤون العامه وطريقة الحصول على المعلومات وكذلك سيادة افكار العشائريه والمناطقيه على بنية المجتمع وطريقة تحصيل الناس مطالبهم.