ضجّة صامتة / كامل النصيرات

ضجّة صامتة 

كامل النصيرات

أنا من المقتنعين بأنه لا توجد (أغلبية صامتة)؛ فالكلّ يتكلّم ويُعبِّر حتى الأخرس يفعل ذلك. ولكن توجد أغلبية غير فاعلة؛ غير متحرّكة؛ أغلبية تسمع وترى وتراقب وتعرف لكنها لا تدخل في الحدث ولا تصنعه ولا تؤثر فيه؛ لأن الدخول في الحدث والتأثير عليه وصناعته يعني دفع ثمن. والأغلبية لا تريد دفع أي ثمن مباشر كما هي عادة الشعوب والأمم في كلّ الأزمان إلاّ إذا تم استنهاضها بالكرامة وتم تخويفها بوجودها.

لذا أقول وأنا مطمئن لكل أكلة السندويشات وشرّيبة البيبسي و لكل المنغمسين الحالمين بالمقلوبة بعد المقلوبة والباحثين عن المنسف بعد المنسف ولكلّ المتربصين بالسماء كي تمطرهم بالدولارات والدنانير كي يشتروا فيلا أو داراً صغيرة؛ كي يقتنوا سيارة صنع سنتها أو صنع قبل عشر سنين؛ كي يعملوا عزايم لألف شخص أو عزايم لعشرة أشخاص؛ كي يتزوجوا من شبيهة هيفاء وهبي أو يتزوجوا من جارتهم العانس؛ كي يناموا في باريس أمام بركة السباحة أو يناموا في بانيو بيتهم الصغير الحجم.. أقول لكل الذين يدّعون كذباً وزوراً أنهم من الأغلبية الصامتة:

أنتم لستم كذلك فأنتم الضجة كلّها ولكن بلا خارطة؛ بلا أرجل؛ بلا منصّات؛ بلا اجتماع..ضجيجكم فردي لو تآلف لعزف هذا الضجيج تاريخاً انعطافيّاً ..لو تتغيّر كثير من مفاهيم الفكر الجمعي بمفاهيم مواكبة لتغيير ما بأنفسكم ستصنعون على الأقل لذّة حقيقية للأجيال القادمة ولأبنائكم الذين يشدونكم الآن إلى الشلل..!

هي الضجّة الصامتة؛ لو تتجمّع فقط.