أبا مصطفى الرمز في ذكراه / كاظـــــم الكفيري

أبا مصطفى الرمز في ذكراه
كاظـــــم الكفيري
ذاكرة الأردنيين متحفزّة دوماً لاستعادة وصفي التل، السياسي ورجل الدولة والانسان والرمز، ومناسبة رحيله ينبغي أن لا يتم اختصارها من زاوية ضيقة جداً، ولا ينبغي أن تكون لاغلاق الرؤى بل لفتحها على فضاء واسع من قراءة سيرة التل التي تمازج فيها الشخصي (الاستقامة والنزاهة والاخلاق) بالعام الوطني والقومي (ارساء مؤسسات الدولة الأردنية والتضامن العربي وقضية فلسطين).
واذا كان لوصفي من مآثر كثيرة وشواهدها لا تزال حيّة وحاضرة، فيكفي له مأثرة الاستثمار بالانسان الأردني، العزيز الكريم في وطنه، واستثماره في القوى البشرية كتعويض عن فقر الموارد الأخرى، بدأ بالتعليم من انشاء المدارس الجديدة والجامعات ومراكز محو الامية لكبار السن، الى الاقتصاد وتحصينه من العجز والمديونية، وحتى الزراعة والتصنيع والانفتاح على التجارة العربية، عجز الكثيرين في ادراك أهمية التأسيس لمستقبل لا اعتماد فيه على الغير بخطط طموحة وجريئة.
كان لدى التل كم هائل من الخطط والتفصيلات عن بناء فرق ذات خبرة وعلم ومعرفة لادارة شؤون الدولة بالتناغم مع توجهات الملك الحسين وان برز وصفي التل كقائد وزعيم ومفكر استراتيجي ورجل دولة، اذ لم يكن يدير أزمة بل كان هناك نهج منفتح حتى على الحريات العامة، وصوره وهو يحرق الملفات الامنية للمعارضين فيه حد التطابق مع نهج الحسين واسلوبه في الانفتاح على المعارضة الوطنية بعيداً عن نهج الانتقام والتصفية، حتى اصبح هذا طابع أساسي طبع الدولة الاردنية ويذكر زملائه في مجلس الوزراء او المجالس التي تراسها اسلوبه في اتخاذ القرارات بعد التدوال والنقاش واتخاذ القرار بالتصويت.
نظافته ونزاهته تجلت في سلوكه وحبه للأردن وطنا لكل الأردنيين، وسنداً للعرب وملاذاً لهم، الايمان بالشباب وغرس فيهم حبهم لوطنهم من خلال العمل التطوعي ووكان واضحا من خلال تشكيلة حكومته الاولى فكل وزراءه يتبوأون الوزارة الاولى من الشباب واكبرهم سناً في الاربعين فاطلق عليها حكومة الشباب.
لم يتطاول على القانون والمال العام، ولم يقترف جُرم الإثراء غير المشروع من جيوب الناس، كان متواضعاً وقريباً من الناس، وكان يحضر نفسه للقاءات الناس مهما كانوا فقراء وأغنياء، ومن أنحاء الوطن جميعها. احبه الاردنيين بجميع طبقاتهم فعندما يلتقي الفلاح تجده يعرف اصول الزراعة ويدخل بالنقاش معهم حول حراثة الارض وأصول الرعي وهو من بين الذين اسهموا في تاسيس الجامعة الاردنية.
وصفي أنتمى للجيش واهتم بافراده وكتب له الاشعار وعمل بكل ما يملك من رسم الهوية الاردنية العروبية دون ضجيج المايكرفونات وكل محطات حياته كانت فيه حب للاردن والحفاظ على ثوابته.
لم يغامر وصفي التل بقوت المواطن البسيط وعيشه الكريم وهو الاقرب لهم فلم يملك الاموال والعقارات، ويكاد لا يختلف عنهم في وضعه الاقتصادي، كانت العقبة وجهته وبيته اكتمل بنائه أحد عشر عاماً. ولم يسكنه الا قليلاً،
لقد عرف وصفي التل الأردن مشروعاً ناهضاً وآمن بثروة الانسان فيه، وعرف الوطن بصخوره وذرات ترابه، مدنه وقراه وباديته ومخيماته، وتربع جبلاً من جباله الشماء الشاهقة.
وصفي مدرسة وحياته منهاج للباحثين عن حب الاردني وسيبقى في ذاكرة الاردنيين وليس ادل استذكاره من الشباب واليافعين الذين لم يعاصروه بل تمثّل لهم على الصورة التي يأملون فيها أن يكون عليها رجل الدولة بحق وحقيقة.