السقالات التعليمية / رانيــه بدر عبيدات

السقالات التعليمية
رانيــه بدر عبيدات
مع تطور النظريات التعليمية وأساليب التدريس لم يعد دور المعلم مقتصرًا على تقديم المعرفة والمعلومات للطالب، أو شرح المادة المنهجية الموجودة في الكتاب المدرسي، أو ضرب أمثلة كبيرة حول نقطة التعلم التي يدرسها؛ فمن خلال خبراتنا التدريسية أصبحنا ندرك أنها أساليب تقليدية نتائجها غير مرضية، وذلك تزامنًا مع تطور دور المعلم في ضرورة اشتماله على تقديم الدعامات اللازمة حتى يكون التعلم مُنسجمًا مع مستويات الطلبة وحاجاتهم.
واستنادًا إلى هذا الدور المهم من أدوار المعلم جاءت سقالات التعليم والتي تعني في أبسط تعريفاتها مجموعة التعليمات والنصائح والأدوات التي يستخدمُها المعلم بهدف مساعدة طلبته في فهم المحتوى المعرفي للدروس؛ إذ كان الظهور الأول لهذا المصطلح والذي يعني الدعائم Scaffolding على يد عالم النفس الأمريكي جيروم برونر والذي كان متأثرًا بأفكار طبيب النفس الروسي ليف فيجوتسكي، الذي كان يؤمن أن تعلم الإنسان يصبح بشكل أفضل إذا تم في بيئة اجتماعية مليئة بالتفاعل والتشارك مع الآخرين؛ لذا تعدّ نظريته قلبًا أساسيًا لفكرة التسقيل المعرفي؛ التي تؤكد على أهمية تقديم المساعدات والدعامات للمتعلمين في سياق اجتماعي ثقافي باعتبار عملية التعليم محصلة مجموعة من التفاعلات الاجتماعية الثقافية التي تحدث بين المتعلمين والمعلمين وبين أقرانهم الأكثر منهم نضجًا وخبرةً.
من هنا نستطيع القول أنّ الدعامات التعليمية تُعد أساسًا رئيسًا وعنصرًا مهمًّا في عملية التدريس، بل ومن أهمّ شروط التعليم التي يمارسها المعلم بفطرته دونما تخطيط لها بشكل مسبق، فعندما يقوم المعلم بتقديم نماذج وصور مرئية لتوضيح مفهوم تعليمي بهدف دعم المتعلم ومساندته في عمليتي الفهم والتفسير، وعندما يقوم بطرح الأمثلة المتعددة لمساعدته في حل مشكلة معينة، وعندما يقدم له التوجيه بما يجب أن يفعله ليقوم بتحسين أدائه ودفعه نحو التقدم والإنجاز، ما هي إلّا صورًا متنوعة للسقالات المعرفية يقوم بها المعلم لدعم عملية التعليم وتحقيق فاعليتها.
وهذه الدعامات تكون على شكل إيحاءات أو إرشادات تساعد المتعلم على بناء فهمه وحل المشكلات التي تعترضه، إذ تقدم له في اللحظة المناسبة عندما يكون بحاجة ماسة إليها وغير قادر على إتمام المهمة بدونها، بحيث تُسحب تدريجيًا عند وصوله إلى القدرة على الاعتماد على نفسه في إكمال المهمة ويصبح قادرًا على توظيف ما تعلمه في سياقات جديدة. لذا يقع على عاتق المعلم مسؤولية اختيار الدعامات التعليمية المناسبة؛ التي تلبي حاجات الطلبة وميولهم، فنلاحظ أنّ كل متعلم أو مجموعة متعلمين يحتاجون أسلوب دعم مختلف عن الآخرين نظرًا لاختلاف الحاجات والاهتمامات وتنوعها من متعلم إلى آخر.
ولضمان التفاعل الإيجابي في بيئة التعلم وتحقيق الأهداف المرجوة إلى أعلى درجة من الجودة، على المعلم أن يقوم بتوظيف الأنشطة الموجهة التي تستهدف مساندة المتعلم وتساعد في توسيع مداركه وتنمية مهاراته، من خلال تقديمه المهمات التعليمية في سياق حقيقي يخدم المتعلم ويدور حوله، كأسلوب التجزئة الذي يقوم على تقسيم الدرس إلى أجزاء صغيرة ومبسطة بحيث يحقق كل جزء منها هدفًا واحدًا أو هدفين مع التأكد من أن المفاهيم قد ترسخت لدى الطلاب عند انتهاء كل جزء باستخدام التقويم المناسب، وهنا لا بد أن يكون المعلم قادرًا على تجزئة الأهداف بشكل مناسب ومتسلسل؛ أو من خلال تقديمه الوسائط السمعية والبصرية في وصف فكرة معينةً إمّا باستخدام الكلمات، أو مقطع صوتي، أو شريط عرض مصور، أو اللجوء إلى فيديو يشرح الفكرة بشكل أكثر وضوحاً، وهذا يساعد على اندماج الطلبة بشكل أكبر، لاستخدامهم حواسهم المختلفة في التعليم؛ أو من خلال استخدام الخرائط الذهنية التي تساعد على تنظيم المفاهيم وترتيبها، بحيث يقوم المعلم والمتعلم بوضعها معًا فيصعب بذلك نسيانها أولاً ويسهل تذكرها ثانياً، وتُعد الأسئلة من أكثر الدعامات التي يستخدمها المعلم فهو يقوم بطرح أسئلة معرفة أو أسئلة فهم والتي تتطلب من المتعلم التعبير وليس فقط الإجابة بنعم أو لا وذلك للحرص على اكتساب المتعلم للمعلومة، وأرى هنا أنّ من الأفضل على المعلم اختيار الأسئلة المفتوحة والتقليل من الأسئلة المغلقة.
ومن خلال تجربتي كمعلمة وجدتُ بأنّ هذه الدعامات بأشكالها المختلفة لها أثر كبير على المتعلمين في مختلف مستوياتهم التعليمية، لأنها تعينهم في تنظيم المعلومات وسرعة حفظها ولا تجعل للمتعلم سقفًا محدودًا فهي دائمًا ترفعه لمستوى أعلى، وتمده بالدعم اللازم وتيسر وصوله إلى مستوى الاتقان في التعلم.
ولكن ومن خلال اطلاعي وخبرتي أيضَا فإنّ تقديم الدعامات يواجهه أحيانًا بعض التحديات رغم فوائدها الكثيرة في الغرفة الصفية، فمن أبرز عيوبها أنّها تتطلب مجهودًا ووقتًا كبيرين إذا ما أراد المعلم اتباعها كاستراتيجية تدريس، كما أنها تحتم على المعلمين الذين ينخرطون في استخدام الدعائم كاستراتيجية تدريس تلقي تدريبات مكثفة من أجل خلق الأنشطة والمهام الفعالة لجميع الطلاب، إضافة إلى أنها تؤدي في بعض الأحيان إلى نسيان بعض المفاهيم إذا تمت تجزئة الدرس بشكل كبير.
فمن الأفضل أن يكون المعلم ملمًّا بهذه الاستراتيجية لكي يقوم بتوظيفها بشكل مناسب ولكي لا تشكل تحديًا أثناء تخطيطه؛ فالمعلم يجب أن يكون مطلعًا، مرنًا، ومتأملًا.