الدفائن / رائـــــد عبدالرحمن حجازي

الدفائن
رائـــــد عبدالرحمن حجازي
 
مثقال يُصيح بأعلى صوته منادياً على حفيده محسن , فيرد محسن قائلاً : نعم يا جدي وشو في ؟ فيقول مثقال : محسن روح وافتح باب البير إللي بقاع الدار تا يتهوى أتشمن يوم مشان نعود نُسمله قبل هالشتوية . (السمل: هو تنظيف قاع البئر من الترسبات الطينية ) .
 
بعد عدة أيام يجتمع محسن وصديقه أنور والمختار مثقال عند باب البئر . في البداية ومن باب الخبرة للتأكد من وجود الاوكسجين داخل البئر يحرق مثقال ورقة ويرمي بها داخل البئر لتستقر في القاع وتنطفىء بعد إحتراقها كلياً , فيقول مثقال : هساعيات بتقدرو تُحدرو وتُسملوه , وإحدرو معكو الدلاوة . ينزل كل من محسن وانور بواسطة السلم لداخل البئر ومع كل منهم دلو لتبدأ عملية تنظيف الطمي من قاع البئر (السمل) .
 
أثناء العملية ومن خبرتهما يحاولان العثور على بعض اللُقى التي سقطت بقصد أو بغير قصد بالبئر خلال العام المنصرم . فها هو أنور (الأهتر) يقول : لديت تغلة ويابيه ما أتبرها (لقيت شغلة ويابيه ما أكبرها). ليتفاجىء بعد إزالة الطين عنها ويقول : إي هاي تلعت وتية ددتت ( أي هاي طلعت وطية جدتك). يقصد بذلك انها إحدى فردتي حذاء زريفة البلاستيكي فيعاود ثم يجد محسن شبرية لجده مثقال وقداحة البنزين وهكذا تستمر العملية بتنظيف القاع مع البحث عن الدفائن والكنوز .
 
بعد الإنتهاء تبدأ عملية توزيع الغنائم . فردة حذاء زريفة تعود لها لتستعملها كركيزة تحت سبتها الخشبي (صندوق خشبي) كون الفردة الثانية قد أُتلفت سابقاً , وشبرية مثقال التي كانت قد سقطت منه دون علمه سابقاً وهو ينشل الماء قد إعتراها الصداء فيعطيها لمحسن , وقداحة بنزين لم يبقى منها سوى هيكل من الصداء تكون من حظ أنور . ناهيك عن بعض النثريات مثل قِطع الحِبال وحجارة متعددة الأحجام كان يُلقى بها لتحديد منسوب المياه داخل البئر .
 
قد تكون لُقى بسيطة وليس لها أهمية مادية إلا أنها حلت الغازاً كانت مُحيرةً في وقتها .
 
فمثلاً زريفة في أحد الأيام كانت قد إنزلقت رجلها وهي تنشل الماء ولم تدري أين ذهبت فردة حذائها البلاستيكي من هول الموقف , كذلك مثقال أثناء رفع الدلو من البئر سقطت شبريته وقداحته في البئر ولم يعلم بذلك في حينها بل على العكس كان قد هز أركان الدار وهو يبحث عن الشبرية تارةً والقداحة تارةً أخرى .
 
نعم بعد مُضي عام تقريباً إنكشفت بعض الأسرار في منزل المختار مثقال , وهكذا في بقية المنازل . وكذلك سوف تنكشف أسرار عاجلاً أو أجلاً يلفها الغموض في حياتنا , لا بل يتغابى البعض في إخفائها عنا . وسلامتكوا .