لو كنت كاتباً سويدياً…!! / أحمد حسن الزعبي

لو كنت كاتباً سويدياً…!!

أحمد حسن الزعبي

أتخيّل مجرّد خيال فقط – والحمد لله أن الخيال ما زال مسموحاً- أتخيّل ماذا يفعل كاتب صحفي مثلي يعيش في السويد أو الدنمارك أو ألمانيا بعد أن أمضى ستة عشر عاماً في كبريات الصحف ..كيف يبدأ نهاره؟ وما هي أولوياته؟ وماذا يقلقه؟ وكيف يعيش؟..
أتخيّل نفسي أرتدي “روباً حريرياً خمري اللون” أجلس على كرسي مقابل لنافذة واسعة تطل على البحر أو على نهرٍ محلّي على أقل تقدير، أغطّ الكعك بكوب من الحليب وأتناوله على مهل ،على ركبتي أطوي صحيفة بالمنتصف كانت قد جاءتني في الصندوق الحديدي خارج الباب .. قد أحضرتها قبل دقائق بالإضافة الى مغلف يحتوي بطاقة تأميني الصحّي المجدّدة بالبريد ،وبعض الأوراق والمجلات والدوريات المتخصّصة ، أنزعج قليلاً من خبر صغير في كعب الصحيفة ،فتسقط الكعكة من فمي ،الخبر يتحدّث عن منع اصطحاب الكلاب في أحد المتاجر العريقة هناك حتى لو أخذت مطاعيمها الدورية وأعتبر ذلك تمييزاً وانتقاصاً من حقوق الحيوان.. زوجتي “المدام” تقوم بعزف مقطوعة صباحية على البيانو ، والقطة كاترينا تنام على كنبة قربي ، والأولاد في غرفهم..راتبي ضخم ،سيارتي حديثة ،حقوقي السياسية كاملة ، لا أحد يتدخّل في عملي أو يحدّ من حريتي في الكتابة..كل الموضوعات الهامة التي تخص الحريات ،والمشاركة السياسية صارت من الماضي ..ولا يشغل بالي في هذه اللحظات سوى الحصول على تشريع برلماني ،يجبر الحكومة على إعطاء لقاح ضد التهاب الكبد الفيروسي للبط البرّي ، ومعالجة درنات أظافر طيور اللقلق..هذا أكثر ما يشغل بالي وسأقوم بعمل جبهة وتحالفات حزبية ومنظمات تدعم الحياة البرية لانتزاع هذا التشريع في أقرب وقت..هذا لو كنت كاتباً سويدياً..

هنا؟؟ بيجامتي “مبندقة؛ بنطلون شكل والسترة شكل، شبشبي مرشوم دهان زيتي أبيض”..أفتح عيني ، فأجد دلو رايب فارغ وصحن للحمص..هذا ما أجده فوق رأسي عند الاستيقاظ ، أنظر من النافذة القريبة….جاري المتقاعد يحرق “العشبات اليابسات” في هذا الجو اللاهب ، “المدام” تدك العصا في القشّاطة جيداً “على درجة المطبخ” كي لا تسقط أثناء سحب مياه الشطف، عاطل عن العمل في كل القطاعات الإعلامية ، أتخيّل أنه في أي لحظة ممكن أن يأتيني بكم أبيض أو سيارة لانسر فيها شباب يرتدون قمصان ذات لون أزرق سماوي ويضعون الأجهزة في أحزمة بناطيلهم وهاشتاقات تنطلق على مواقع التواصل #الحرية_لأحمد_حسن_الزعبي ، بالغالب لا أكون قد اقترفت ذنباً، هكذا مثلي مثل كل الذين أوقفوا بلا سبب ،وبالمحصّلة لا يوجد لي أي حق سياسي، أو حق في التعبير ، أو حق في المعارضة..ومسمّي حالي “مواطن……وكاتب صحفي”؟؟..

مئة عام من عمر الدولة ولم نحصل بعد على أساسيات حقوقنا كشعوب مثل “اختيار من يمثلنا، اختيار رئيس الوزراء ،او اختيار الحزب الحاكم، حق التعبير والحرية الصحفية”..مما يعني أننا بحاجة الى 400 أو 500 سنة حتى أحصل على علاج لمسمار اللحم في رجلي اليمنى..
الكاتب الصحفي السويدي،آخر الليل يجلس على كرسيه الهزاز يراقب أضواء المدينة وهي أمامه، صوت شجرة الجاكرندا وهي تحف بنافذة بيته العلوية يعطيه شعوراً مختلفاً .. ينظر من بعيد الى القطار الكهربائي وهو يخترق خاصرة المدينة يتنهّد ويفكر كيف سينتصر في معركة “درنات أظافر طيور اللقلق”..
انا هنا آخر الليل ، أسكّر الأبواب جيداً ، ثم انظر الى الحارة من كل جهاتها “اذا كان بكم شباب الأمن الوقائي ما زال يلفّ حول البيت أم لا..ثم أختم ليلتي ، بتنك مي 20 متر ، يملأ خزّانات “فالح الاطرم”..”سلّك البربيش ولك ..وصل؟ فوته لجوّه؟..جيبه من ورا المعرّش..تمام..أشغّل؟؟…شغّل….ترررررررررررررر..حتى مطلع الفجر.

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com