أيام الدراس / للباحث الدكتور أحمد شريف الزعبي

كنانة نيوز – 
أيام الدراس
 للباحث في الثراث الشعبي الدكتور أحمد شريف الزعبي
يقوم الناس بتهيئة البيدر لإستقبال الخير الممثل في أجراس العدس والكرسنة وسنابل الشعير والقمح. فيزيلوا الأعشاب بهدوء وكذلك الحجارة، وكل مايعترض لوح الدراس، ويكون البيدر على أرضٍ مستوية، وتتقارب بيادر القرية بعضها من بعض، ولا يشكو الناس من غبار البيدر أو التبن الطيار، الذي يدخل كل زاويةٍ من زوايا البيت، فيعكر ماء الشرب وغير ذلك.
يرجد الحصيد على ظهور الجمال، أو على ظهور الحمير بواسطة القوادم. ويقوم أصحاب الزرع بترتيب القمح بطيات بشكل دائري، وعندما يكتمل الرجاد تبدأ عملية درسه، ولكن لابد من تفقد لوح الدراس وحجارته البازلتية، والرياح (الحبل المشبك بالحواة ويكون طرفه الآخر بيد الدراس)، وكذلك الجارورين، المشبوكين مابين الحواة ولوح الدراس، حتى يستطيع الحصان أن يجر اللوح والدراس.
وقبل أن تبدأ عملية الدراسة، لابد للنساء من أن يقمن بعملية التقصيل، وهي أخذ سيقان القمح الجيدة لعمل المكافي ( ومفردها مكفية، وهي المغمقان) وكذلك الأطباق بأنواعها، وكانت الحكايا تدور بين النساء، من مثل : تسأل قُطنة موزة قائلةً لها :
يخيتي يموزة أميت بدكو اتجوزو سليمان؟ فترد عليها موزة:
إن شاء الله بعد هالبيدر.
وتسألها موزة : وابنك هايل أميت بدكو تخطبوله؟
تجيب قُطنة : بعد هالبيدر، مهو طاير عقله ورا مريم، وبقلي: والله يُمه مابنام الليل، وهي مهي قليلة، بتضحك بوجهه بتجننه يميمتي.
وتأتي فندية وتلقي السلام وتنتقي من القش الجيد وتبادرها قُطنة بالسؤال :
شلون جوزك صار معك.
تبتسم فندية وتقول:
على سلامته أبو محمود، كان بده يتزوج، بعدين بطل، الله يطول عمره.
نعود للدراس، يقوم الشواعبي بوضع جزء من كديس القش ( وأهمهه القمح)، ويضعه على أرض البيدر، ويحضر ثلاثة أو أربعة حمير ويربطهن مع بعضهن ليستطيع الحصان أن يقوم بعملية الدراسة.
قال لي أحد الأصدقاء واسمه حسين تعال اليوم وساعدني فأنا مريض. ذهبت للبيادر الساعة العاشرة، فوجدت أن عملية الدراس في أوجها، فالشواعبية يقومون بعملهم بتقليب القش بين الفينة والأخرى، لتتم عملية الدراسة بشكلٍ جيد، والدراسون على ألواح الدراسة والخيل تجرهم.
استقبلني صديقي حسين استقبالاً حسنًا، وقال لي ارتاح تحت تلك الزيتونة حتى أنادي عليك. سمعت أحد الدراسين يغني :
لاطاب الدور لُموه
لمه ماهو عليّ
لمه عالشواعبية
والشواعبية ثلاثة
واحد روّح على الدار
وواحد قيّل بالفية
وواحد قرصته حيْة
قرصته حية ومات
وابكن عليه يابنات
وبحشوله وغمقوله
وبعد عيونه مبحلقات
يتضاحك الدراسين، مما يثير حنق الشواعبية، فيقول سلامة :
سبعك وسبع فالك الردي.
فيرد عليه الدراس: مش عنكو عمي سلامة، مش عنكو.
ويغني الدراس قاسم:
ياحمرا يالواحة لونك لون التفاحة
لن حدرت عالبحر
لحدر وراها سباحة
ون طلعت للسما
طير مرفرف جنحانة
ياحمرا لوحيني لوح
قلبي من الهوا مجروح
وين ألفي ووين أروح
من هوا هالنشمية
ياحمرا جريني جر
عالطرحة يامحلا الفر
ياحمرا جري هاللوح
والعصا بيدي بتلوح
يناديني صديقي حسين كي أحل محله في عملية الدراس، يترجل عن لوح الدراس وأتابع العمل، وشاركت الدراسين بهذه الأغنية التي حفظتها منذ سنتين:
ابريق الشاي براس التل
ظربته حصوة راح يرن
راح يرن الخلخالي
ستة بناتك ياخالي
ستة وردن شلالي
ستة ماجن عبالي
أول وحدة منهن
تلبس جوخ وتشلح جوخ
بنت شيوخ ياخالي
وثاني وحدة منهن
تمشي هز دريج الوز
غزيل فز من قبالي
وثالث وحدة منهن
تقلي بيض
بشهر القيض
دموعي فيض عالغالي
والرابعة ياخالي
توكل تين بتشارين
الله يعين اللي ابالي
والخامسة ياخالي
تلبس تول وتشلح تول
أم حجول وتحلالي
والسادسة ياخالي
يارفيق وعالطريق وخبز ارقيق
ومية ابريق وعين الكحلا تحلالي
وياعجاج ويامجاج وبيض الجاج
وسمن نعاج وخبز كماج ونيالي
ويغني أحد الشواعبية:
ياحمرا يامال الهلب
يامال الذي الذيبين وكلب
ياحقنك عالوادي
لاصايح ولا منادي
وياحمرا نودي براسك
من همالة دراسك
فيضحك الجميع.
ونسمع من بعيد أحد الشواعبية الشباب يغني ويقول:
طلعت عالدرج طخة عَطخة
وطيت بقليبي ماقلت الآخة
والله يبنية لنصبلك فخة
واصيدك صيد الحجل يعيونا
يما يا يما العشق مامرّه
هنيال اللي سالم شره
يطيور الحجل من يمي فِرُّو
وهدو عَسطوح ال كانو يحبونا
ويغني جارنا بالبيدر الدراس فوزي ويقول :
لوحيلي يابيظة
ياعرق الحميظة
وانسف ياطبقنا
تايلحق رفقنا
رفقنا صبحية
واردة عالمية
معاها شبيني
عطريق العيني
واحد اسمه سلامة
على خده علامة
و العلامة بالصندوق
والصندوق بده مفتاح
والمفتاح عند الحداد
والحداد بده بيضة
و البيضة تحت الجاجة
والحاجة بدها قمحة
والقمح تحت الداروس
والداروس بده عروس
بده عروس على قده
تعجنله وتخبزله
وتبوسه على خدوووه
ويغني أحد الشواعبية :
لكتب ورق وارسلك
يللي مفارق خلك
بديرتك احسنلك
وبديرتي بترتاحي
يم العيون ملاحي
عقلي شرد وراحي
من شوفتي امس الك
من شوفتي بدارك
وحرقت قلبي بنارك
ياولفي انا جارك
خلك معانا خلك
خلك معانا ياخشف
يادمع عيني مانشف
بكرة الحكايا بتنكشف
والناس تحكي علينا
والناس تحكي علينا
كثر مارحنا وجينا
ياأحمد قوم ودينا
ياماغلاك علينا
والغريب أن خيل الدراس كانت تتجاوب مع الأغاني فيزداد نشاطها، وكأنها تشجع الشواعبية والدراسين على مزيدٍ من الأغاني.
ويأتي صاحب البيدر وهو زوج خالتي ويقول :
الله يعطيكو العافية، يلا حلوا عن الحصان،وتعالو عالمظافة هسّع وقت الغدا.
وذهبنا إلى المضافة، وغسلنا ايدينا ووجوهنا، ووجدنا الغداء ديكين محمرين بمناسبة أني موجود، فزوجة المعلم خالتي وهي تحبني كواحدٍ من أبنائها مما حدا بالشواعبي أن يقول لي:
تعال ياأحمد كل يوم.
تغدينا وشربنا الشاي ورجعنا للبيدر.