قراءة تحليلية نصية لقصيدة “جنة الحياة ” للشاعرة التونسية حنان بن عامر/للأديب الأردني هاشم عبدالغني

كنانه نيوز – ثقافة – موسى النعواشي –
قراءة تحليلية نصية لقصيدة ” جنة الحياة “
للشاعرة التونسية حنان بن عامر
هاشم خليل عبدالغني – الأردن
الشاعرة التونسية حنان بن عامر
 
قراءة تحليلية نصية لقصيدة ” جنة الحياة “
للشاعرة التونسية حنان بن عامر
هاشم خليل عبدالغني – الأردن

تعالج الشاعرة حنان بن عامر في قصيدتها الرائعة ” جنة الحياة ”

قـضــية حــرية الــمرأة، وتــطـرح مــا يــدور بــخلدها مــن أفــكــار ومــفاهيم ومــعتقدات مستقاة مـن رحم الواقع ومن البيئة التونسية المعاشة ومن المعايير الاجتماعية السائدة ، والـمأمول في المجتمع التــونسي وإشاعة قيــم الحـرية والتمرد والثورة والاستقلال والفكر الحر… اتخذت الشاعرة في قصيدتها مساراً خاصاً ، باعتبارها فعلاً واعياً يرتبط فيه الفكر بالممارسة ،بطريقة لا يمكن الفصل بينهما ، واعتبارها لحظة وعي حقيقية للذات والموضوع .
من السمات المميزة لقصائد الشاعـــرة ” حنان بن عــامر” توظيف السرد مــن خـــلال الاستعانـة بالمــكونات السرديــة ، ومن خـــلال تفاعل نصوصها الشعرية مع الخصائص الفنية للقـــصة مـن مكــان وزمان وحوار وحبكة .
 
وتأكيداً لذلك فالسرد لديها ينطلق من بداية نحو نهاية محـــددة ومـا بين البداية والنهاية يتم فعل السرد مـــن جــانب الشاعرة ، متضمناً الوقائع والأحداث في تركيب لغوي له مقوماته ومــلامحه الحيـوية المــميزة . تهــدف إلــى تصــوير الــظروف التفـصيـلية لـــلأحــداث والأزمات، بـاتساق وتتــابع وجودة السياق… وهـــذا مــا نــلاحــظه بوضوح في قصيدة ” جنة الحياة ” .
سنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على قصيده حنان بن عامر ” جنة الحياة ” :
في الشعر العربي أبدع الكثير من الشعراء قصائد في حب المرأة والتغزل بها ، تلخص وتعبر بدقة عما يحملونه للــمرأة مــن مشاعـر الحب والغرام،فمنحها ذلك تأشيرة مرور لعالم الرومانسية والحب . وهذا ما بدأت الشاعرة في سرده قي مطلع قصيدتها ” جنة الحياة ” حيث بــدأت السرد بضمير المتـكلم ، أنا الـجمال في ظـاهره وبـاطنه جمال القوام وملاحته ، أنا جميلة العبارة والأسلوب ، أقمت وسكنت بطمأنينة وراحة في قصائد الشعراء، وكنت محط اهتمامهم وشغفهم وهيامهم .
تتابع الشاعرة قائلة : أنا كنت وما زلت ربيع الحياة الدائم ، يلـون الحيـاة بالـخصب والجمـال ، فـي عــزف منــفرد لسمفونية ربيعــية احتفــاء بالخصب والعطــاء ، إنا المرأة التي جـــعلت الحياة متلونة بألوان قوس قزح في حياة البشر .
جنة الحياة
أنا الحسن سكنت في قصائد الشعراء
كنت ولا أزال جنة الحياة
ثم تنتقل للحديث عـن ذاتها التـائهة المضطربة وعن أحـلامها الوردية الكاذبة ، وعن زمانها الذي حُرِقَ بنار الألم ، وتتحدث عن حيرتها واضطرابها عبر الزمان الطويل ، طريدة لا مأوى لها بـدون حضن يأويها، فثرت عــلى ضياعي وواقعي البـائس، لأعتني بـذاتي ولأحقق عوامل الاستقرار الداخلي ، ولتحقيق مكاسب شخصية
 
تهت عبر الدهور شريدة
فٱنتفضت من الاغتراب أصنع ذاتي
تنتقل الشاعرة للحديث عن أشكال عطاء المرأة ،وبذلها نفسها لأجل الآخرين ،فالمرأة لا تتوقف عن ضخ مشاعرها ، وتحمل مسؤوليتهـا تجاه الأسرة والمجتمع ، فهي رمز العطاء والتفاني ، تقول الشاعـرة على لسان المرأة : أنا شعلة ضوء وسطوع ،لمعت على مدى الأيــام ضد الظلمة والجهل والتخلف ، دائما وأبداً وفي كل حين ، يشع مـــن كوة مشكاتي العلم والمعرفة ، وواجهت الصعوبات والعقبات فتغلبت عليها بالقوة والمثابرة، فحاولتها إلى دواء لجراح الناس ، وقامت بمداواتها بكامل المحبة والحنان ، كما حرصت على بذر بذور الأمان والسلام رغماً عن كل الصعوبات .
أنا قبس من النور يلوح في المدى
دائما الضوء يهل من مشكاتي
مشيت على الصخر فحولته
بلسما
وصغت برد السلام من الجمرات
تتحدث الشاعرة عن واقع المرأة والتحديات التي تواجهها ، وكيفية مواجهتا والتغلب عليها ،وذلك بمجاهدة النفس والتغلب على هواها، أنــا الــمرأة التي طلعت من شدة ســواد ظلـمة لــيل القهــر والظــلم بإصراري وعنادي وتمردي( قولاً وفعلاً ) على من قــهرني وجــار علي ولم ينصفني .
 
قبل ذك كنت دليلاً وعنواناً للقلب الذي يدق بالرقة والــعذوبة فأخـذت بالشعر أرسم أجمل لوحات الأنوثة الرقيقة المتمردة التي تنهمر بقوة من رجفة فرشاتي فتنة وجمالاً ، فبددت بيداي كـل مسلمات المـاضي العفن ، فاشتعلت ثورة ضــد تجريد المــرأة مــن آدميتها وتهميشها ويقتضي ذلك منا جميعاً التكاتف والتضامن لتحرير المرأة والتخلص مــن التقاليد والأعراف والممـارسات والقوانين المضرة بالــمرأة والمجحفة بحقوقه.
أنا المنبثقة من غسق الدجى
بالعند تطاولت على ظلماتي
كنت عنوان الشاعرية النابضة
فرحت بالشعر أراقص كلماتي
ألون الحياة بأنوثة صاخبة
تنهمر سحرا من رعشة الفرشاة
يداي بعثرت ما كان مسلما
فٱندلعت الثورات في لوحاتي
ورحت أرجم عبر التاريخ غاصبي
فأبدعت في التحرر حصاتي
تواصل الشاعرة تعداد الجهود المضنية التي قامت بها من اجل إصلاح العقول المتحجرة فــي المجتمع مــن خلال توعيته وتثقيفـه
وغايتها تحــرير المرأة رويداً رويداً ، لتنعم بحــقوقها إلـــى جــانب الرجــل في عــالم جميل ، يضج بالفــرح ومشاعــر العشق والــحب والوئام .
ثم تتابع حديثها عن التغيرات التي استطاعت أن تحدثها في بنية التفـكير الذكوري فــي المــجتمع ، فنجحت فــي معالــجة التشوهـات
المجتمعــية ، فارتــدت وانقــلبت إلى جمــال فكري مؤثر، يبعــث في النفــوس ســروراً وإحساســاً بالانتــظام والتــناغم ، ونتيــجة لهــذا الإحســاس ،فنتابتني نزعــة أدبــية وفنــية ،أبرزت خيالي الإبداعي وعبرت فيها عن ذاتي وتغنيت بما أنجزت بالعودة للمنطق وتحـكيم العقل ، والتخلي عن الموروث المهترئ.
أنا التي حفرت في حجارة الجماجم
موضعاً
فحولتها حريراً من نفحاتي
ألبست البشاعة ثوباً ساحراً
ينعكس جمالاً في مرآتي
فرحت أملأ الحياة بحوراً من الفنون
بإبداع تفيض به كاساتي
تقول الشاعرة أنها حطمت اليأس وقاومت الاستسلام الذي تـرك أثاره السلبية على المرأة عبر مراحل قاسية ـ بالحب الجامح والحب العاطفي الـذي يتحلى بالأمــل، الحــب الشامــخ العصــي عــلى تقــيد الحريات ، فتخــلصت عــبر فــني الشعري مــن ألـم الكبت المحبوس بداخلي ، فضمنت هذا الفن ما كنت احلم من آمال ورغبات ، وتمكنت بإصراري من عبور جسر كل المعيقات ، ورحت أشير لمواطن الظلم الذي لحقت المرأة بعاطفة صــادقة قويــة ، لتسهم بخــطوات ثابتــة بعتقي وتحريري الذي انتظرته طويلاً، وتضيف الشاعرة لقد قاومت
قهر وظلم المرأة وانتهاك حقوقها والتــسلط عليها، بكــل شــجاعة وصبر، فالظلم مفسدة وخلق ذميم ، يؤدي لخراب المجتمعات .
أنا التي جعلت من العشق حصاناً جامحاً
عصيا على القيود باذخ الإفلات
فترجمت الكبت لفن باهر
أطعمه ألقا من شهواتي
فعبرت بجنوني جسراً رابضاً
يشد بخيوطه لذاتي
ورحت أقيد الظلم بعيني الدامعة
فتتحرر مسرعة خطواتي
أواجه الصد بقامة منتصبة
تقاوم معاول القساة
تعتــبر الشــاعرة نفسها الناطقة الرسمـية، باسم كـل امرأة ظلمتها الجــاهلية القديمــة والحديثــة، بأنمــاطها المختلفة شكــلا ومضموناً فالشــاعرة صوت كــل امــرأة انكـمشت عـلى ذاتــها وطوقت نفـسها بـأسوار الخوف ولــم تعبير عــن ذاتها وعـــن آمالــها وطــموحاتها فناضلت وكافحت وبذلت ما في وسعي في سبيل استقلالها وحصولها على حقها متسلحة بالقلم والإرادة الصلبة، حين استجمعت ما تبعثر مــن قواي وثرت عــلى روح الانــهزام فــي داخــلي ، وحين أفاقت وتمردت في داخلي أيضاً أحاسيس الأنثـى ، حينها فقــط انتــصرت لكرامتي وشرفي وقهرت خصومي وتغلبت عليهم وقهرتهم .
أنا حنجرة كل امرأة خائفة
علت صرختي على الأصوات
اخترعت الحرية من ليل الانطواء
فكان نهاري طوق نجاة
كسرت أصفاد الحديد بعزيمتي
ولملمت من ٱندثر من شتاتي
ٱنتفضت على الانهزام بقلب نابض
فٱستفاقت أنوثتي بعد سبات
تعلمت الانتصار لكرامتي
فكسرت بغضبي مخالب الغزاة
 
تواصل الشاعرة الحديث عن نفسها ، فتؤكد بأن كفاحها ونضالها التوعــوي ، جعل منها نقطــة انطــلاق للنساء في مسيرة الكفاح من اجل حقوق المرأة ومساواتها بالرجل ، فأصبحت حصنا ومــلاذا أمناً
تلــجـأ إليــه المرأة عنــد الــضرورة ، وتضيف الشــاعرة بأنها كانت الصوت الغضب على أعداء حرية المرأة ، الذي أشعل شــرارة ثوره وتمرد المــرأة …فكـان حضني مـأوى أمنا يحــيط المــرأة بالرعايــة والحــماية ، ضد الـــذل والقــهر والقـسوة ، إلــى جـانب دعائي لهن بالثبات والصمود والتوفيق .
 
أنا التي تحولت عكازاً لبلاد التيه
إنا للوطن ملجأ المرساة
كنت الغضب المدوي على العدى
وٱندلعت شرارة في الثورات
فكان حضني وطناً آمناً
يأوي النساء عبر السنوات
أواريهن من قمع الاضطهاد
وأحميهن بآيات صلواتي
تشير الشاعرة في المقطع الأخير من قصيدتها إلى أنـها صاحبة رسالــة إنسانيــة تحــمل الأمــن والسـلام ، هذه الرسالة مستمدة من متطلــبات الحــياة الطبيعية للــمرأة ،غــايتها خلق فرصة لرفع سقف مـطالبة الــمرأة بحــقوق متســاوية ومتــكافئة ، ومحــاربة الــعادات والتقاليد التي تحد من دورها في المجتمع .
وتضيف الشــاعرة أنها بسلاح الكلمة استطاعت التصدي للأفكار البــائسة والــعفنة التــي تحــد من انطلاقة المرأة واستغلال قدراتها الخلاقة ، وتؤكد كذلك قدرتها القيادية والنضالية ، وجرأتها على التمرد على تقاليد ونواميس المجتمع المغيبة لها .
أنا رسول من الحمام نزل على الأرض
فحط السلام على رفاتي
يحييها ويسقيها ماء الحياة
فتلعن أفواجا من الأموات
رجموني بالحجارة فحضنتها
وبنيت بها بيتا على الغيمات
ٱتخذت من الكلمة سلاحي الكاسر
فٱخترقت حصارها في الغزوات
وتواصل الشاعرة تعريتها للواقع الاجتماعي للمرأة ، وتتحدث عن دور قصائدها الشعرية في التصدي لاضطهاد المرأة ، فـي مجتمع لا يعترف بدورها البناء وحضورها الــطاغي والمـركزي المــميز، في عملية البناء والتغيير .
وتؤكد الشاعرة بأنها قادت المرأة للتمرد على تهميش أدوارها الإنسانية ، فتحولت لمارد يقهر لحظات ضــعفه الإنساني ويستخرج مكامن القوة النفسية الداخلية ، فتصبح قائدة ومحاربة باقتدار .
فالشاعرة ترى أن التغيير الإيجابي قادم وبقوة ، في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، لتغيير الكثير مــن المفـاهيم .. بهدف وضع مجتمعنا في مصاف الدول المتحضرة والمتطورة،ولنكن مرجعاً للتطور والتنمية في كافة المجلات .
ولد شعري من رحم الاضطهاد
فكسرت الجحيم من أبياتي
أنا كل النساء في وطن جاحد
رفعت من عذابهن راياتي
رممت جروحهن التي سالت دماؤها
فحولتها حمرة على الوجنات
كلما أكبر أطعن في الصبا
فألاعب والدمى كجاثي انطويت
نعم عن سوء تفهم
فأينعت فنا في الخلوات
وقفت بعد أن عصف التجبر بي
وصرخت التحرر حتما آتي
 
ختاماً .. يتبين مما تقدم أن الشاعرة ( حنان بن عامر) صاحبة رسالــة اجتماعــية ، تحــمل في ذاتها فـكرة مقـدسة تعبر عن ذاتها
تنــاولت فــي نصها الإبـداعي ” جــنة الحياة ” مـوضـوع المرأة في مجتمــعنا الــعربي ، باعتــبار الــمرأة أيقونة تحـمل الكـثير للإنسانية فيها يتجسد الجمال والخضوع والألم والأمل والتـقدم والتخلــف ..لذا نجد ( للمرأة ) حضورها في قصائد “حنان “.
حنان بن عامر شاعرة تونسية مبدعة وفية لموضوع المرأة بــاعتبارها أنثى لهــا من الطــموحات والمشاعر ما يستحق الاهتمام والإصـغاء ، فــالشاعرة تتجه بموضــوع الـمرأة نحو ملامسة بعض جراحاتها ومعاناتها بوجه يحمل التوتر والحرمان .. كما دافعت عن المـرأة وحــقوقها، بكــل جــرأة وتحـدٍ للفـكر الذكوري الـسائد فــــي مجتمعاتنا .
ونستذكر في هذا المقام قول الكاتب الكبير توفيق الحكيم عن المرأة ” إن عقل المرأة إذا ذبل ومـات ، فـقد ذبل عقل الأمــة كلــها ومات ” .