جنديّ الشرق / أحمد حسن الزعبي

جنديّ الشرق

أحمد حسن الزعبي

ثمّة تفاصيل لا تمحى من لوح العمر أبداً، هي مفاصل الوجع ،وبيت الحزن المعتّق، التفاصيل فيها لا تغيب ، والصور التي يشوبها قيظ الألم ، ورماد الإحتراق لا يزيدان الصورة الا توهّجاً ؛ اللقاء الأخير، تشييع قريب أو حبيب ،انتزاع وطنٍك من تذكرة سفرك..وسقوط بغداد..
يقولون أن الشهيد لا يجف دمه وإن مرّ على ارتقائه سنوات ،لو فتح أي ضريح لشهيد يبقى نفس اللون الأحمر القاني يزيّن البدلة العسكرية ، بغداد جنديّ الشرق المسجّى ، وبوابة دارنا ، و”دفتر عائلة” عروبتنا ، بغداد الأغنية التي كانت تصدح من تلفزيوننا القديم “يا عاصمة الرشيد ومنارة المجد التليد” ، بغداد تلك العباءة السمراء ؛عباءة الشيخة وعباءة الأمومة ، تلك الأغاني الحزينة ،تلك الآه المبثوثة من قصب دجلة..بغداد..عين العرب التي تجمّد دمعها في نيسان!.
سبعة عشر عاماً على صوت الدبابة ، سبعة عشر عاماً على سرقة “المزهرية”،ونهب مكتبة الجامعة المستنصرية ، سبعة عشر عاماً على تحطيم زجاج فندق المنصور، وتغريب شارع الرشيد ..سبعة عشر عاماً والعراق لم تفكّ الحداد بعد ولم تلبس المزركش أبداً ، سبعة عشر عاماً و جسر دجله ما زال يحمل على ظهره المقوّس الحزن ومواكب الخيانة ومراكب مغول العصر وكلما حاول النهر أن يطلق زفيره، طمأنه الجسر قائلاً ليس بعد..سبعة عشر عاماً وأنا “أخيّط” عيني على بغداد الحية التي تشبهنا ، بغداد العِقال، وصوت العرب الأقحاح، لقد “خيّطت” عيني على آخر حلم كنت أشاهده في عمري القصير..حلم البطولة والانتصار ودحر الهمجية والمغول والعيون الزرقاء…ستبقين يا بغداد عصيّة على النسيان في نيسان، ستبقين جندي الشرق المسجّى النازف عروبة ..ستبقين الشهيد الذي لا يموت..والعاصمة التي لا تذوب..والعباءة التي لا تبلى..ستبقين أنت كما أنت..محراب عروبة وقِبلة..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com