حصالة الياس وكيس الوافد / أحمد حسن الزعبي

حصالة الياس وكيس الوافد

أحمد حسن الزعبي

لم تهزّني صور “الشيكات” التي يعرضها المتبرّعون الأثرياء على مواقع التواصل الاجتماعي فهي “قليل” من كثير ، وهي بعض من مرابحة وانتفاع طويل من ثرى الوطن وطيبة قلب أبنائه وربما هي لا تساوي خمس الخمس من عمولة دفعها المتبرّع ذات يوم لأحد المسؤولين مقابل تسهيل المهمّة..
لكن هزّتني وهزّتني كثيراً حصّالة الياس إبن الشهيد معاذ الحويطات الذي ارتقى في أحداث السلط..أتعرفون لماذا هزّتني حصّالة الياس ؟ لأنها كل ثروته، هي حصيلة مصروفه اليومي طيلة سنة كاملة ، هي بقايا عيدياته من جدوده ، هي “حبة الشوكلاته” التي بقيت في نفسه ووفّر ثمنها لشراء درّاجة أو كرة قدم أو ربما “تابليت مستعمل”..هي كل ثروته التي لم يجنها من مرابحة ولا من انتفاع ولا من حصة صفقة مشبوهة هي القروش البيضاء الموشحة بعرق بيديه وهو عائد من المدرسة..قدّمها كلّها للوطن ولم يلتفت كيف سيكون التعويض..
وهزّني أيضا نخوة العمال المصريين في الأردن وهم يجمعون أكياس المواد التموينية يريدون توزيعها على الأسر المحتاجة في الأردن..الوافد الذي يجلس على رصيف الرزق ،ينتظر سيارة تحمله الى ورشة ، ينقل الرمل على ظهره ، يحمل الطوب فوق كتفه ، يعرق ويجوع ،وفي أيام العطل يبرد كثيراً ويقرصه بطنه لكن أحداً لا يطرق بابه ليسأله إن كان بخير ها هو يتقدّم دون أن يسأله أحد..هزّني “كيس الوافد”..الذي تبرّع به من عرقه بكل ما تحمله الكلمة من معنى ،مؤثراً ذلك على نفسه..وهو الذي يوفر في مأكله وفي ملبسه وفي مسكنه ليبعث حوالة “للعيال” كي يعيشون بكرامة..هو الذي يقضي العيد في غرفته ،ويقضي المرض في غرفته ، يحبّ المكان لكنه لا يسعفه لسانه ،يحب أهل الأردن الطيبين لكنه يخجل أن يبوح بذلك كي لا يتهم بالتزلف والنفاق ،الوافد المواطن الطيب البسيط الشهم الذي ينتظر آخر الأسبوع ليجري مكالمة مطولة مع “مصر” يطمئن بها على الجميع..لم يختبئ كما فعل أصحاب الدولة والمعالي والسعادة والمليارات والملايين ، أخرج من وسادته عشرين ديناراً حضّر “طرداً من الخير” وقال هذه حصّتي من ردّ الجميل..
لا تهزّني المشاهد المزيّفة ولا المزايدات المزركشة بالإستعراض..لكن يهزّني سمار “الياس” ووفاء “شوقي”..عندما يكون الحب بصدق ولا شيء غير الصدق..
عاش الأردن نهر النقاء و الحياة .. وعاش شعبه العظيم الذي لا يعرف الكره أبداً..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com