قراءة في قصيدة ( شظايا ) للشاعرة ” لانا سويدات ” للأديب هاشم خليل عبدالغني

كنانه نيوز – ثقافة – موسى النعواشي

قراءة في قصيدة ( شظايا )

للشاعرة الأردنية ” لانا سويدات ”

قراءة هاشم خليل عبدالغني – الأردن

قراءة في قصيدة ( شظايا )
للشاعرة الأردنية ” لانا سويدات ”
هاشم خليل عبدالغني – الأردن

القصيدة… شظايا

بكى حرفي وأتعبهُ الوقوفُ
وكم تشكو إلى السطرِ الحروفُ
يسيل الحبرُ من قلمي انتشاءً
ويرسم لونَ شهقتهِ الحفيفُ
تغازلني بليلِ الحزنِ نفسي
وتجرحني بغمرتها الطّيوفُ
شظايا القهر في جسدي رحيلٌ
ونزفُ القلبِ يشعلهُ النزيفُ
سيقتلني جنوني في خشوع
وآيةُ وقعِه ألمٌ عنيفُ
فيا ليلي المكلّلُ بالأماني
أنا لحنٌ على لحنٍ أطوفُ
سيأتي فجرُ روحي في عزيفي
وتعزفني بنقرتها الدّفُوفُ
سيكتبني الزمانُ على رقيمي
وتقرأني بغابتها الطّيوفُ
فرتّل سطرَ أنفاسي انحناءً
سيبكي الصمتُ لو قُطِفَ
الخريفً
وفيها الطهرُ يلبسُ ألف ثوبٍ
به من لونِ بهرَجِهِ شفيفُ
أنا الوجهُ الحبيبُ إلى بلادي
له من سحرِ أنفاسي قُطوفُ
فمن مثلي لمثلي صاغ لحنا
وكيف لأرض أجدادي أعوفُ

لانا سويدات أديبة وإعلامية أردنية من بلدة ” الرفيد ” محافظة إربد
متحصلة على شهادة جامعية متوسطة في تخصص إدارة العلوم المالية والمصرفية / جامعة البلقاء، معدة ومقدمة برامج اجتماعية وثقافية ، كان لها شرف محاورة كبار الأدباء والمثقفين المسؤولين الأردنيين ، مستشار إعلامي إذاعة سياحة أف أم .
شاركت في مهرجانات متعددة ، مهرجان “الشعر العربي ” ملتقى الرمثا الثقافي ، كما شاركت في أمسيات شعرية متعددة بمشاركة نخبة من الشعراء الأردنيين ، في العديد من مدن الأردن .

نشرت عدداً من القصائد في المجلات والصحف المحلية و العربية والمواقع الإلكترونية . أصدرت عدداً من الدواوين الشعرية منها 😞 تساؤل – على صهوة الغيم ) قيد الانجاز ديوان “خطو الحنين ” .

قبل الدخول إلى عالم القصيدة لا بد من الإشارة إلى أن لانا سويدات شاعرة أردنية معاصرة “عاشقة الصحراء”، تورق في حقول الأماني ً زعتراً ودحنوناً ، في قصائدها ) بوح ناي وأنين وتر، يصدران نغماً واحداً يحمل نبضاً شعورياً شديد التشابه ، يفيض من الجوانح نرجساً )، شاعرة من طراز خاص أسهمت في رفد الساحة الشعرية الأردنية والعربية بإنتاجها الأدبي المميز ، رائعة بكل ما تعنيه الكلمة ، تجعل نبضات قلبك تخفق خاصة في قصائدها الوجدانية والوطنية ، قديرة ومتمكنة وهى تعزف تابلوهات فنية راقية في مشاهدها الفنية ، بكل تميز وألق، وبنكهة خاصة تلامس آمالنا وآلامنا .
من خلال قراءة قصائد لانا سويدات ، يُلاحَظُ أنها تؤمن أن الشاعر روح الأمة ،” وأن مهمته في أرضه ووطنه ،أن يزرع بين أحشائها بذور الأمل، حتى إذا سمت داخله وصارت ظلالها وارفة ،أفاض بها على المجتمع ، وهذا لا يتوفر إلا بالنص الجيد ، الذي يتصف بتقنيات الشعر الرفيعة “، فالشاعرة تعمل على تطوير آليات نصوصها ، ماهرة في اقتناص الفكرة والصورة ، وَتَعَدُدِ طرق التعبير والتخيل ، التي تميز الشاعر المتفوق عن غيره .
قصائد ” لانا سويدات ” حافلة بالأمل والأحلام وملاحم الحب وأغنيات البطولة والتاريخ والالتحام بالوطن ،( وهي تجمع بين الشعر الحر والعمودي دون أي انحياز لأي منهما ) .
قال عنها مدير ملتقى جدارا ” أم قيس ” الثقافي الأستاذ موسى النعواشي ..بأنها ” شاعرة الجمال والعشق والحنان والحنين .. تفرش دروب الأمل بالدحنون .. تغسلها بماء الزعتر” .
كما يصف قصائدها بأنها على جانب كبير من الجمال والوطنية والعمق والبوح الإنساني، فيؤكد بأن الشاعرة ( طافت بقصائدها التي تتدفق جمالاً ورؤى بأجواء الوطن والإنسان ، فاقتربت من الوطن تضمه لينعم بدفء حنانها فيصحو من علاته ، ونادت على الحنّون لينقر شبابيكها فتنفس صبحها هوىً شجياً ) .

إن المتمعن في عنوان قصيدة ) شظايا ) للشاعرة ” لانا سويدات ” يلاحظ أنه عنوان متميز ، وفقت الشاعرة في اختياره رأساً لجسد قصيدتها ، لأنه تعبير صادق عن مضمونها .. العنوان يشي بأنه مؤلم أن تتفجر الطموحات والآمال ، فتتطاير شظاياها متناثرة تقتل الأحلام ، وتغتال الفكر ، مخلفة وراءها الهم والألم والتمزق العاطفي .
اعتمدت الشاعرة في الكشف عن انفعالاتها وآلامها الذاتية على التشخيص ،” فالتشخيص ذو قدرة كبيرة على التكثيف العاطفي ، وعلى الإيحاء والإيجاز ” وهذا من سمات الشعر الرومانسي . منحت الشاعرة ” لانا سويدات ” الجماد كياناً إنسانياً يشاركها حياتها ومشاعرها، فصورت الحرف كالإنسان يبكي ألماً وحزناً وتأثراً لموقف أبكاه ، وأتعبه وأرهقه وأزعجه ، فوقف ساكناً دون حركة ( أي عجز عن التصرف )، وتبث الحروف شكواها وهمومها للسطر متوجعة ( أي إنسان يشكو لإنسان ) .
تتـحـدث الشاعـرة عـن المكـابـدة والـجـهد الـمـبذول فـي كتابة النص الشـعري والمـخـاض الــذي يـجـتاح الكـاتـب ، بـحثـا عــن الـفـكــرة والموضوع ، يقول أفلاطون : “إنه يستحضر الفكرة أحياناً مــن اللافكرة ” إشــارة للـمعانـاة والصـعـوبة التي تواجه الكاتب .
في مشهد تئن فيه الحروف وتتوجع ، تنتقل الشاعرة لمشهد فيه لمسة من التفاؤل ، فالحبر يتدفق من قلمها وينهمر فرحاً وبهجة ارتًياحاً لنشوة النصر والقدرة عن التعبير عن الذات والتغلب على المعوقات ، صوت القلم يخط حشرجته وأنينه وتأوهه .

بكى حرفي وأتعبهُ الوقوفُ
وكم تشكو إلى السطرِ الحروفُ
يسيل الحبرُ من قلمي انتشاءً
ويرسم لونَ شهقتهِ الحفيفُ

تقول الشاعرة: في ليل حزين ، باعث على الضجر ، مثقل بالهموم ،حادثتني نفسي بلطف ورقة وتودد ، لمواساتي والتخفيف من معاناتي وآلامي ، ولكن الأحلام والتخيلات والأوهام ،التي أراها في المنام مزدحمة متكاتفة متماسكة تؤلمني .
وتضيف إن شظايا الظلم والتسلط المتناثرة في جسدي ، في طريقها للرحيل، رغم أن نزف قلبي الدم يلهبه ويشعله واستمرار النزيف الدائم بغزارة يضعفه ،إن الرغبة العارمة في التمرد على مظاهر الواقع المتردي، وكل ما يمكن اعتباره ثابتاً في بنية مجتمعنا المتحجر، على مختلف الأصعدة الاجتماعية والثقافية والفكرية ، هذه الرغبة تكاد أن تقتلني وتفسد عقلي ، بخضوع واستكانة ، وسيقتلني أي وجع شديد أو حزن عنيف ،
الرغبة العارمة في التمرد على مظاهر الواقع المتردي، وكل ما يمكن اعتباره ثابتاً في بنية مجتمعنا المتحجر، على مختلف الأصعدة الاجتماعية والثقافية والفكرية ، هذه الرغبة المجنونة تكاد أن تقتلني وتفسد عقلي بكل استكانة واستسلام ، ويقتلني أي وجع شديد أو حزن عنيف .

تغازلني بليلِ الحزنِ نفسي
وتجرحني بغمرتها الطّيوفُ
شظايا القهر في جسدي رحيلٌ
ونزفُ القلبِ يشعلهُ النزيفُ
سيقتلني جنوني في خشوع
وآيةُ وقعِه ألمٌ عنيفُ

تخاطب الشاعرة الليل فتقول: يا ليلي المتوج بأحلام النجاح والمطالب المزينة بالأماني المشتهاة ، أنا لحن موسيقيٌ ركب على نص مُلَحَنٌٍ رُتِبَت كلماته بطريقة متجانسة ومتناغمة ، في إشارة إلى رقتها ونعومتها ودلالها .
وتؤكد الشاعرة رغم البؤس والجراح لابد من فجر قادم تنتهي معه أتراحي … فجر حَيَاةًٌ ذِهْنِيٌّةً ، بَعيدَةً عنْ كُلِّ مَا هُوَ مادِّيٌّ وحِسِّيٌّ .

فيا ليلي المكلّلُ بالأماني
أنا لحنٌ على لحنٍ أطوفُ
سيأتي فجرُ روحي في عزيفي
وتعزفني بنقرتها الدّفُوفُ

سيكتب التاريخ في صفحات كتابي المضيئة ، أنني أحمل رسالة إنسانية موجهة، أعشق التضحية ولا أعرف الاستسلام ، وستقرأ كتابي.. الأحلام الكثيفة المتتابعة ، كما أن أنفاسي المنتظمة والمتناسقة ،اضطربت واعوجت من شدة الإرهاق والتعب ،
تبين الشاعرة متى يبكي الصمت ؟ يبكي الصمت كما ترى الشاعرة ، حين لا يوجد ما يقال ، ولا تسعفك الكلمة ، حينها تنصهر اللغة وتذوب وتتحول إلى دموع صامتة ، وكما يقال (حين تعجز الكلمة ويبكي الصمت ) .

سيكتبني الزمانُ على رقيمي
وتقرأني بغابتها الطّيوفُ
فرتّل سطرَ أنفاسي انحناءً
سيبكي الصمتُ لو قُطِفَ الخريفً

النقاء المنزه عن الدنس والأدران ،( المحفور في روح الشاعرة وأحلامها وأمانيها )، يرتدي أثواباً متعددة من المحبة والصفاء والنقاء ،أثواب الطهر هذه مزينة بشفافية جمال الروح وطيبتها، فالجمال كما قيل ” يؤنس وحشة الروح ” .

وفيها الطهرُ يلبسُ ألف ثوبٍ
به من لونِ بهرَجِهِ شفيفُ

وعن عشق الوطن تؤكد الشاعرة ،أن الوطن الهوية والملاذ والفكرة والذاكرة والسلوك ، فالشاعرة لا يملأ روحها سوى حبها لوطنها ،«ما هو الوطن؟ ليس سؤالاً تجيب عنه وتمضي، إنه حياتك وقضيتك معاً». هكذا قال الراحل محمود درويش ، وليس أجمل من حب الوطن إلا الوطن ذاته .
تقول الشاعرة إنها الوجه المحبوب الذي يعكس الصورة الحقيقية للوطن ، في كافة الحقول المعرفية علماً وثقافة ، وهذا مؤشر على أن بلدي بلد الأمن والأمان والاستقرار ، لهذا الوطن مكانة مميزة أليس حب الوطن من الإيمان ؟ وهذا مؤشر على الانتماء بما يعنيه من فداء وتضحية وإخلاص وتفانٍ في الذود عن حياضه.
وتتساءل الشاعرة مجازياً لإيصال انطباع معين للمتلقي ، (فمن مثلي لمثلي صاغ لحناً ) فالشاعرة تقول ” الوطن أنا وأنا الوطن”
فمن مثلي صاغ شعراً وألحاناً ببلاده الجميلة ! فمن مثلي تغنى بسحر وفتنة طبيعتها .. جبالها المكسوة بالخضرة ، المزدانة بالأشجار النضرة ، وأوديتها دائمة الجريان بمياهها الصافية ، وسماء صحرائها الصافية ، كان لهذا الحب النقي أثر كبير عند الشاعرة ، فشغفت به قلباً وهامت به نفساً ، وغنت قريحتها شعراً يعبر عما يعتمل في صدرها ، فكان حب الوطن غذاء طيباً لقريحتها
كيف لا ؟!! وعلاقتي بهذه الأرض علاقة انتماء ، تنبع من القلب ، هذه الأرض أرض الإباء والآباء والأجداد ، وتؤكد الشاعرة أن حبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، هذا الوعي الذاتي تحول إلى قوة وانتماء وسلوك ، فكيف بعد هذا الانتماء والتعلق بالوطن أن اعوفه واتخلى عنه .

أنا الوجهُ الحبيبُ إلى بلادي
له من سحرِ أنفاسي قُطوفُ
فمن مثلي لمثلي صاغ لحناً
وكيف لأرض أجدادي أعوفُ

خـتاماً: النـص مـشبع بـالنزعـة الـروحـية والـوطـنية ، شاعرة متمـكـنة مـن أدواتـها الــفنـية ، لـغة وأسلـوباً سـلساً ، وبنـاءً معمارياً وصورة رائعة مذهلة ، فقد نجحت الشاعرة فــي تجسيد مــا يعتمــل فــي صدرهــا مــن شظايا انفـعالات مضطربة ومتحركة بأسلوبها الواعي الـذي يجعلـك تـحس بجمالـيات الـنص وإيحـاءاته.
وأخيرا أتمنى مزيدًا من العطاء والإبداع والتألق المتواصل للشاعرة ” لانا سويدات” .