كنانة نيوز – كتب الدكتور محمد عبد الخالق الزعبي، استاذ القانون الخاص المساعد، المحكم الدولي وعضو مجلس امناء مركز الإسكندرية للتحكيم الدولي وعضو المجمع العلمي. رئيس دعاوى الحكومه في الجمارك الأردنية مقال خص به الكنانة نيوز جاء فيه :
الآثار القانونية لفيروس كورونا المستجد على الالتزامات التعاقدية بقدر ما أصبح هاجس فيروس “كورونا” المستجد موضوع تتبع دقيق ويومي من طرف المجتمع الدولي بكل مواقعه ومسؤولياته، بالنظر إلى تهديده الواضح للصحة العالمية، فإنه يقتضي منا التعامل مع كل جوانبه وآثاره الأخرى الممكنة والمحتملة بكثير من الجدية والموضوعية والمسؤولية بعيدا عن الهلع والقلق والتهويل. فقد أثارت مخاطر الأوبئة والأمراض العديد من الإشكالات ذات الأبعاد القانونية والاقتصادية والاجتماعية في ارتباطها بالأمن الصحي العالمي وبالعوائق والإكراهات الناجمة عنها في مجال تبادل السلع والخدمات، مرورا بوباء SRAS سنة 2003 و(H1N1) سنة 2009 أو (EBOLA) سنة 2014 ليتجدد النقاش اليوم على المستوى الدولي بخصوص آثار فيروس(CORONA) المستجد على بعض المعاملات التجارية والعقود الشغلية والالتزامات المالية والضريبية، حيث دفعت عدد من المؤسسات والشركات العالمية خاصة الصينية والأمريكية منها المتخصصة في مجالات مختلفة مثل صناعات السيارات والنقل الجوي والمعلوميات والمواد البترولية والغازية، بوجود حالة (القوة القاهرة) من أجل التحلل من التزاماتها التعاقدية تجاه زبنائها وعدم أداء غرامات التأخير أو التعويض عن التأخير في التنفيذ أو عن استحالته. وهو ما جعل عددا من الدول تبادر خلال الأيام القليلة الماضية إلى تبني هذا الموقف ودعمه، حيث أعلن وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي يوم 28 فبراير الماضي بعد اجتماع مع الشركاء الاقتصاديين أن فيروس “كورونا” يعد قوة قاهرة بالنسبة للمقاولات، مؤكدا أنهم لن يطبقوا غرامات التأخير في التنفيذ على الشركات المرتبطة بعقود مع الدولة، وطرح إمكانية اللجوء إلى الخدمات الجزئية وإعطاء مهل لأداء الأعباء الاجتماعية والضريبية بالنسبة إلى المقاولات التي يثبت تضررها من آثار هذا الوباء، وذلك بهدف حماية الاستقرار بشكل مسؤول وعدم السقوط في مغبة القلق والهلع الاقتصادي. كما أكدت هيئة تنمية التجارة الدولية الصينية أنها ستمنح شهادات (القوة القاهرة) للشركات الدولية التي تكافح من أجل التأقلم مع تأثيرات عدوى فيروس “كورونا”، خاصة الشركات التي ستستطيع تقديم مستندات موثقة لإثبات التأخير أو تعطل وسائل المواصلات وعقود التصدير وإعلانات الجمارك وغيرها. مبادرات وإجراءات لا تحجب عن المتتبعين ظهور بوادر جدل ونقاش قانوني اقتصادي حول موضوع القوة القاهرة الذي يعد من المواضيع المعقدة التي تحتمل كثيرا من التأويلات واختلاف وجهات النظر حول مدى توافر شروط هذه القوة القاهرة من عدمه، خاصة عندما نكون أمام وباء صحي عالمي تختلف آثاره بين السلبية والإيجابية باختلاف المواقع والمؤسسات، وباختلاف الظروف المحيطة بالتعاقدات المتنازع بشأنها، إذ إن بعض القطاعات على خلاف الباقي عرفت نموا كبيرا بسبب انتشار هذا الفيروس، خاصة تلك المتعلقة بالتجارة الإلكترونية. والأكيد أن عددا من العقود سواء التجاريه او المقاولات او حتى الخدمات…الخ في علاقاتها الاقتصادية ومبادلاتها التجارية والدولية ستصطدم بكثير من العقبات التي يتعذر الخوض في تفاصيلها التقنية والمالية، والتي ستؤثر سلبا على عدد من التزاماتها وإنتاجياتها وخدماتها، حيث طالعنا عبر عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي إخبارا عن إلغاء وتأجيل عدد من الرحلات الجوية والرحلات السياحية ، والأنشطة والاجتماعات المنشآت السياحيه والتجاريه والمولات…الخ ؛ وهو ما تضرر معه الشركاء والمؤسسات المعنية بها، فضلا عن عقود المقاولات والتجاره الدوليه التي ترتبط أنشطتها التجارية بشكل كبير بالمؤسسات والشركات الكبرى المورده حول العالم واغلبها صينية التي بدأت تأن من ركود معاملاتها، مما سيثير النقاش مجددا حول نظريتي القوة القاهرة والظروف الطارئة ومدى إمكانية استفادة هذه المؤسسات والشركات المورده او المصنعه للتحلل من التزاماتها العقدية وتعديلها أو التخفيف منها. فنحن اذا أمام إشكال قانوني اقتصادي يفرض علينا الوقوف على حقيقته. والسؤال الذي يطرح نفسه ما علاقة وباء كرونا بالقوة الملزمة للعقد، واثر ذلك على الالتزامات التعاقديه بشكل عام؟ لا شك في أن فكرة “العقد شريعة المتعاقدين” تنبني على ثلاث ركائز: أولها قانوني قوامه مبدأ سلطان الإرادة، وثانيها أخلاقي يتمثل في احترام العهود والمواثيق، وثالثها ذو طابع اجتماعي واقتصادي يترجمه وجوب استقرار المعاملات.وهي فكرة توجب احترام مضمون العقد سواء من طرف المتعاقدين أو من جانب القضاء. لكن الأوبئة الصحية كواقعة مادية صرفة تكون لها آثار سلبية واضحة يمكن رصد ملامحها وتتبع اثرها على العلاقات القانونية بوجه عام والعلاقات التعاقدية على وجه الخصوص حيث تتصدع او تتراخى هذه الروابط والعلاقات التعاقدية نتيجة الركود الذي يصيب بعض القطاعات الاستثمارية مما يجعل من المستحيل أو على الأقل من الصعب تنفيذ بعض الالتزامات أو يؤخر تنفيذها.وهو وضع قد يمس المؤسسات الصناعية والتجارية الخاصة والعامة، الصغيرة والكبيرة والمتوسطة على حد السواء، بالنظر للارتباط الكبير والوثيق بين أنشطتها حيث يكفي أن تصاب إحداها بأزمة اقتصادية لكي تهدد الأخريات بدورها . ومن هنا، تبنى الفكر القانوني والاجتهاد القضائي عبر العالم آليتين تعتبران من الوسائل الحمائية للمدينين الذين يصبحون مهددين بالإفلاس أو على الأقل أصبحت ذمتهم المالية مصابة بتصدع خطير. هاتان الآليتان هما نظريتا (القوة القاهرة والظروف الطارئة) التي ترميان إلى علاج الحالات التي يصير فيها الالتزام التعاقدي مستحيل التنفيذ (القوة القاهرة) أو صعب التنفيذ (الظروف الطارئة).وهما في الأصل يعدان تطبيقا لمبدأ أخلاقي عام مفاده أنه لا تكليف بمستحيل أو لا تكليف بما يتجاوز الطاقة العادية للإنسان.