سياسيون غب الطلب/ سهير جرادات

سياسيون غب الطلب
سهير جرادات

مع اطلاق الرئيس الامريكي دونالد ترامب اتفاقية السلام الأمريكية المزعومة بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي تعرف بـ “صفقة القرن”،لم نتفاجأ ببنودها ، إذ كنا نتوقع أن تخلو من أي حل للنزاع ، كونها كانت تتداول بيننا منذ أكثر من عام ، وتجرعنا مرارتها “نتفة نتفة”؛ لذا لم تحرك بنا ساكنا عند اعلانها، ولم يحدث الرفض اللفظي للصفقة أي أثر يستحق الذكر او التعليق..!!
للأسف فإن الأوضاع حتمت حالة من الركود بعد الاعلان عن الصفقة ،إضافة إلى أن التجارب السابقة التي مررنا بها، وردود الفعل إثرالاعلان عن القدس عاصمة للدولة الصهيونية، ونقل السفارة اليها،جاءت بعيدة عن التوقعات، فلم يتحرك الشارع العربي ولم تخرج الجماهير العربية الرافضة لكل المخططات الاستسلامية، وسارت الامور بهدوء مطبق، لذا عمدت الجهات المعنية لدينا إلى افتعال ماراثون المهرجانات الخطابية ، من خلال دعوة حضرات السياسيين الأردنيين، الذين ينتظرون شارة الانطلاق كونهم “سياسيون غب الطلب”.
ردود الفعل الباهتة على الصفقة ، وما رافقها من حالة السكوت السياسي لرجالات الدولة ، أجبرت جهات في الدولة على اللجوء إلى السياسيين السابقين والحاليين معا؛ لنجدتها وسد الثغرات في الساحة والحديث عن صفقة القرن ، لتبادر الجهات – وحسب الطلب – بدعوة هؤلاء السياسيين ، ليكتظ جدول اللقاءات والمقابلات التلفزيونية والصحافية الذي يتناول الصفقة بكل من أصحاب الدولة السادة :طاهر المصري ، وعبدالكريم الكباريتي ، وعبد الرؤوف الروابدة، وفيصل الفايز .

وكان لكل واحد منهم جزئية عليه ايصالها إلى الشارع الاردني ، حيث تمثل دور دولة عبد الكريم الكباريتي اقتصاديا من خلال تركيزه على المشاريع المعروضة على الأردن، والمتمثلة بمراقبة الاردن لكل ما يدخل ويخرج من المناطق الفلسطينية عبر الميناء البري والبحري، معتبرا أنهارشوة رخيصة يقدمها الامريكان للاردن مقابل انتقاص الوصاية الهاشمية على المقدسات، وبعد التجاوز عن دولة ” قارئ الورقة ” ، الذي يجيد قراءة ما يكتب له ، نتوقف عند حديث دولة طاهر المصري الذي أشار إلى أننا مقبلون على مرحلة تغيير في الاقليم ، والتي كشفها بحضور سفراء دول: الامارات، والبحرين، وسلطنة عُمان لحفل الاعلان، مشيرا إلى الترحيب الذي حظيت به الخطة في بيانات دول عربية، وتراجع علاقاتنا مع السعودية في العهد الجديد وتغيرأولوياتها ، خاصة أن الأردن لم يعد اللاعب الرئيس في المنطقة ، بعدأن أصبحت الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس تحت السيطرة الاسرائيلية.

أما دولة عبد الرؤوف الروابدة الذي تخلى عن المحسنات اللفظية واختار التحدث بالعامية الصريحية ” الدج ” لايصال رسالته بوقف الحديث عن ” قرار فك الارتباط ” معتبرا طرحه ما هو إلا لغم لاختراق المجتمع الاردني ، إذ أوضح أن الغاء فك الارتباط يعني أن كل الفلسطينيين الموجودين على أرض فلسطين يصبح أمر تسفيرهم ،وتهجيرهم وطردهم بيد الدولة الصهيونية ، موكدا أن “قرار فك الارتباط ” : كان قرارا اردنيا ، بطلب فلسطيني ، وتأييد عربي ،وتنفيذا لقرار الوحدة ، واثر هذا القرار اجتمع مجلس الجامعة العربية وقررطرد الاردن ، وجاء في بيانه : إن ضم الاردن للجزء الفلسطيني ضرورة اقتضتها الظروف وانها تحتفظ بهذا الجزء وديعة ، و تلى قرارفك الارتباط، ” اتفاق اوسلوا ” وتمخض عنه قيام السلطة الوطنية الفلسطينية ،وتبع ذلك اتفاق وادي عربة الذي حدد الحدود بين الاردن وبين العدو الصهيوني … وهاتان الاتفاقيتان مودعتان بالامم المتحدة ، لذا فإن العودة عن قرار فك الارتباط لم يعد قرارا اردنيا .

أما الرسالة الأخطر للروابدة فكانت حول تصفية القضية الفلسطينية وتوطين الفلسطينيين في الاردن ولبنان وسوريا ، وأن حق العودة يرتبط في سوريا ولبنان بالدولة ، أما في الاردن فهو للافراد ، مشيرا إلى أن في خطوة استباقية تم الغاء وكالة الغوث (الاونروا) المسؤولة فقط عن اللاجئين الفلسطينيين حتى حل قضيتهم بالغاء تمويلها ، لتنتقل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين إلى الوكالة الدولية للاجئين؛ وهي المسؤولة عن اللاجئين في العالم لتوطينهم حيث لجأوا، وعندها يلغي حق العودة وتصبح المسؤولية مسؤولية التوطين.
وبنبرة تحمل كل المعاني التي تفكر بها ، وجه الروابدة رسالة في غاية الاهمية لمن يريد أن يبحث عن قبر جده في إشارة إلى الاصول والمنابت بأن لا يُتعب نفسه ، بقوله إن الارض في بلاد الشام لقبائل وعشائر مختلطة ، وأصلهم جُلهم من ” بلاد الكرك ” لأن الشعوب – الحفاة أو راكبي الجمال – عندما هاجرت من الجزيرة العربية وارادت بلاد الشام ما كان لديها إلا بلاد الكرك التي تعد مدخل بلاد الشام ، ومنها يتوزعون غربا وشرقا وشمالا، مشددا على أن هذه الارض للجميع ، وليسوا على الارض الاردنية إلا اردنيين يحملون الجنسية الاردنية ، هويتهم الوطنية هوية واحدة هي الوطنية الاردنية، وهم أصحاب حق بالمواطنة ويجب أن يعاملوا بالمساواة وكشركاء ، حتى نبني الوطن ، لأن مصيرنا واحد ، وتجمعنا الهوية الوطنية الاردنية .
وبالعودة إلى سياسيينا غب الطلب ، علل الروابدة في بداية محاضرته، ولقطع الطريق أمام أسئلة واستفسارات الصحافيين حول ما يدورفي أذهانهم عن هذا الكم من اللقاءات، وسبب خروجهم للحديث مع المواطنين بأنها استجابة للاستفسارات الشعبية التي تستهجن سكوت السياسيين ، مستفهما فيما إذا كان هناك سياسيون الذين هم برأيه قلة نادرة ، إلا اذا تم ربط السياسي بالكرسي ، وفي محاولة منه لكسب تعاطف الحضور مع الرسائل المراد منه ايصالها ، ووصف السياسيين الذين يتحدثون أمام الجمهور بأنهم كمن يقفون أمام فرقة اعدام لتدينهم أو لتنتقم من بعض الجمل القصيرة التي تصدر عن بعضهم، لتصبح هي المرجعية في التعامل معهم.
السادة السياسيون غب الطلب ، شكرا لكم لقد وصلت رسائلكم ، بأن القادم أعظم ..
Jaradat63@yahoo.com